أحداث تركيا جرس إنذار وبدء الدخول في النفق المظلم
حسن الوريث
تضاربت التحليلات والآراء حول ما حدث في تركيا منذ الخامس عشر من يوليو الجاري وما تبعها من أحداث دراماتيكية وكل له رؤيته في ما جرى فمنهم من يقول إن الانقلاب كان مجرد مسرحية من اردوغان ونظامه الإخواني ليستكمل انقلابه على البلد ويقوم بالتغييرات التي يريدها سواء في الدستور أو النظام الاتاتوركي ومنهم من يقول إن هذا كان انقلاباً حقيقياً أفشلته ظروف داخلية ودولية وكل له أجندته في ذلك .بالطبع أنا لا أحبذ الرأي القائل بأن كل ذلك هو مسرحية من أردوغان رغم أني لا أستبعده ولو بنسبة ضئيلة، فأنا من وجهة نظري، أن ما جرى كان محاولة انقلاب قام بها مجموعة من الضباط الأحرار الذين ساءهم أن يروا بلدهم يدمر ويسير نحو الهاوية بسبب سياسات الأخوان الهوجاء التي أدخلت تركيا في عداء مع الكثير من دول العالم وخاصة جيرانها الذين تضرروا كثيراً من تلك السياسات الغبية من نظام اردوغان وجعلت تركيا في حالة من العداء الكبير مع هؤلاء الجيران إضافة إلى السياسات الداخلية الخاطئة التي تنتهجها حكومة أردوغان وبالتالي فقد قرر هؤلاء القيام بواجبهم لإنقاذ تركيا وإعادة تموضعها في مكانها الصحيح ووضعها الطبيعي لولا التدخل الأمريكي ومن ورائه إسرائيل التي تريد بقاء نظام اردوغان على اعتبار أنها حصلت منه على ما لم تستطع الحصول عليه من كل الأحزاب التركية التي حكمت تركيا رغم انه يقول انه إسلامي لكنه في الحقيقة والواقع غير ذلك بل أنه أشد عداوة للمسلمين وأقرب لإسرائيل حتى من نفسها وبالتالي فقد كان الحرص الإسرائيلي الكبير على عدم إقصاء حزب اردوغان من الحكم وإبقائه ولو لفترة من الزمن حتى تحصل اسرائيل على مبتغاها منه وسيأتي اليوم الذي تتكشف فيه خفايا ما حدث ومن السبب وراء الفشل للانقلاب .
ومهما يكن فإن هذه المحاولة في اعتقادي رغم أنها لم تنجح في القضاء على حكومة أردوغان لكنها بالتأكيد نجحت في تحريك المياه الراكدة وجعلت أنظار العالم تتجه نحو تركيا وما يفعله أردوغان وأركان حزبه في البلاد والعبث الذي يمارس بالاستغلال السيئ للديمقراطية التركية التي أسسها وأرسى دعائمها مصطفى كمال أتاتورك وجاء أردوغان ليفككها ويحاول الانقلاب عليها، كما أن هذه المحاولة الانقلابية في رأيي تمثل جرس إنذار ليس لأردوغان وحزبه فقط لكنها جرس إنذار للشعب التركي لكي يعيد حساباته ويعمل من أجل الحفاظ على البلاد من الانهيار الذي تقوده إليه هذه الحكومة ويتمسك أكثر بمبادئ الجمهورية التركية الأتاتوركية.
الأكيد أن أردوغان يحاول أن يستغل ما حدث لاستمرار مهمته في السيطرة على مفاصل الدولة لكنه لا يدرك أنه بذلك لا يضع نهايته فقط بل إنه يدخل تركيا في النفق المظلم على اعتبار أن الشعب التركي لن يصبر طويلاً لأن الشعب ليس كله إخوان مسلمين، فالشعب التركي فيه المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم كما انه يتكون من قوميات متعددة وكلهم لن يسكتوا على ما يجري والتصفيات والمحاكمات والفصل من الوظائف والإبعاد كما أنهم لن يتفرجوا على بلدهم وجمهوريتهم وهي تنهار بسبب السياسات الحمقاء لهذا النظام الغبي الذي ربما لم يدرك مثله مثل كل الاخوان المسلمين أن سياسات الإقصاء والتهميش والإبعاد التي يمارسوها دوماًَ هي بداية النهاية لأي نظام وهي التي تسقطهم دوماً سواء في مصر أو اليمن أو تونس أو في كل البلدان ومما لاشك فيه أن كل الأحداث الدامية والمشاكل والبلاوي التي شهدها الوطن العربي كان وراؤها الإخوان المسلمون وسياساتهم الاستحواذية التسلطية والتي سببت سقوطهم المريع والسريع.
تركيا بالتأكيد دخلت الآن في النفق المظلم الذي لن تخرج منه إلا ببحر من الدماء، لأن الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم زعيمهم أردوغان لن يتركوا الحكم ولو على أشلاء الشعب التركي كله ولو تم تدمير كل مقدرات الشعب التركي، فالجيش التركي الآن يتم تصفيته والمؤسسات المدنية يجري تفكيكها وإزاحة كل من يعارض الإخوان كما انه يجري حالياً تصنيف الناس إلى مع وضد ومسلم ومسيحي ويهودي وكردي وعربي وتركي إلى غير ذلك من المسميات والتصنيفات وبانتقام عجيب وهذا هو الذي سيعجل بحدوث الزلزال الكبير في تركيا وسيدخلها في النفق المظلم الذي لن تخرج منه إلا بالعودة إلى مبادئ الجمهورية التركية التي تجعل كافة المواطنين في تركيا يعيشون في تسامح وأمن وسلام ووئام على اختلاف قومياتهم ودياناتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم ولا بد من التنبه من هذا الإنذار الذي أحدثه الانقلاب ما لم فإن تركيا مرشحة للانهيار .