مساحة خضراء.. في سراييفو.. رأيت الله

فؤاد عبدالقادر
في سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك خلال زيارتي لها للمشاركة في ندوة ثقافية دعت لها مؤسسة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري، رأيت الله متجلياً بالجمال والمحبة، وحسنه الخلاق، رأيت في الأنهار والغابات الخضراء، المساجد، الكنائس، المعابد، كل شيء جميلاً ومتوازناً.
في قلب العاصمة، وعلى ضفاف النهر الذي يخترق سراييفو جلست أتمعن في مخلوقات الله، وأداعب الحمام الأبيض وهي تنتشر هنا وهناك فرحة دون خوف أو وجل.. هناك الحمام تعيش بأمان لا تخاف ولا تحزن.
اعتقدت بل كنت أظن وليس كل الظن إثماً، وقبل وصولي لمنطقة البوسنة سراييفو بالتحديد أنني سألقى أمامي مدينة محطمة، وشعباً متهوراً جراء الحرب التي شنت عليه من العرب، وأحدثت تلك المذابح التي تعرض لها المسلمون في منطقة احميتشي عام 1993م، ومذبحة سراييفو في عام 1995م، حرب عرقية دينية دفع ثمنها البوسنيون في منطقة، البلقان رغم كل هذا ظل الشعب البوسني متماسكاً قوياً لم تهده الأيام.
سألت عن موقع الضربات وأين كانت؟.. جاءت الإجابة أن العاصمة سراييفو لم تتعرض للضرب إلاَّ مرة واحدة من خلال قصف الطيران لسوق الخضار، ذهب ضحية القصف امرأة مسنة عجوز، بينما كانت المعارك والتطهير العرقي الحاقد تدور في مناطق خارج العاصمة.
لم أشعر بألفة كما شعرت بها في سراييفو، هدوء ونظام في كل شيء، لم أسمع أنيناً في سيارة الرئاسة كمثل.. أن أفسحوا الطريق لرئيس الجمهورية حتى الرئيس حارث سيلجتش عندما جاء لافتتاح الندوة الثقافية جاء بسيارة عادية برفقة سكرتيره، وألقى كلمة افتتاح الندوة باللغة العربية.. الرئيس حارث سيجلتش درس في الأزهر، لم أسمع حين وصول حارث البوسنة آنذاك لا طبلاً ولا زمراً.
قلت: إنني لم أشعر بالغربة في بلد إسلامي في قلب أوروبا، بل إنني شعرت بألفة وهو ما رسخته عناصر أخرى منها رؤية المساجد، وأبراج الساعة التي تحدد مواقيت الصلاة، والأبنية التي بنيت على الطريقة التركية أيضاً التكايا والسبيل لحفظ المياه، والمدارس القديمة.
وقد استمعت سراييفو إلى صوت الأذان بلغة عربية سليمة، وبأصوات جميلة خلابة، يتجاور المسجد مع الكاتدرائية والكنيسة في مساحة متجاورة.
يقف في سراييفو جنباً إلى جنب الفن والثقافة بشموليتهما والجمال بطلعته البهية فيفيض على المشهد الثقافي سحراً وبهاءً.
تجري سراييفو في سباق مع الزمن في عملية البناء والإعمار لإصلاح ما دمرته الحرب، وما جلبته من ويلات، رغم كل ذلك لا يزال الشعب يتطلع إلى مستقبل زاهر.
هناك طفرة سينمائية متميزة في سراييفو العاصمة.. هناك أكثر من مخرج ومشاريع سينمائية وقد حقق فيلم جرابافيستا جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي للمخرجة البوسنية باسميلا جيافتش حيث لفتت أنظار أوروبا إلى السينما البوسنية ثم فيلم آخر حصد جائزة الأوسكار وهو إنتاج مشترك إبداعي بوسني.
تلعب الدولة والأجهزة الثقافية دوراً كبيراً ومتميزاً في دعم الثقافة بتنوعها من خلال إقامة صناديق تمول من الحكومة البوسنية ودول صديقة كصندوق لدعم النشر وإقراض الناشرين لعملية الترجمة، وصندوق للفنون الموسيقية، وآخر لدعم الكتاب وصيانة المكتبات وتطويرها، تذكرت على إثر ذلك الكتاب الذي أحدث إثر صدوره ضجة كبيرة في الرواية الشهيرة، جسر على نهر درينا لمؤلفه الأديب البوسني أينو اندريتش الذي حاز على جائزة نوبل في العام 1961م وجسر على نهر درينا جسر شهير بأقواسه الأحد عشر والذي بناه الأتراك، وشهد كل الخلافات التاريخية بين العرب والبوسنيين على مدى سنوات طويلة.
التقارب الإسلامي المسيحي اليهودي شاهدته بأم عيني وهم يلتقون جنباً إلى جنب في ندوة الحوار.. حوار الأديان..

قد يعجبك ايضا