انقلاب من يلن!!؟

أحمد يحيى الديلمي
ملحوظة لمن لا يعرف باللغة التركية فإن كلمة “يلن” تعني “كذب” وقد استخدمتها لكشف أبعاد الانقلاب الذي حدث في تركيا والذي قيل إنه فاشل ، فلقد أكد السيناريو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمتلك قدرة إبداعية ليس في كتابة المسرحيات فقط ، بل في إخراجها وتمثيلها إن اقتضى الأمر ، فهذه هي المسرحية الثالثة التي كتب مشهدها الواحد اردوغان بعد مسرحيتي “سفينة مرمرة” و “مؤتمر دافوس” فالأولى والثانية أحدثت دوياً كبيراً ورد فعل هائل في الشارع الإسلامي جعل من أردوغان بطل تاريخي معاصر ، لكن الحقيقة سرعان ما اتضحت وأنكشف أمرها وأنها لا تعدوا عن كونها مناورة في اتجاه إظهار الذات وإثبات الحضور ، واليوم يجدد الرئيس التركي هوايته المفضلة من خلال هذه المسرحية الهزلية المسماة بانقلاب ، وحتى لا نغمط حق أولئك الذين سعوا إلى كبح جماح الغول الأردوغاني الهائل نقول أنهم حاولوا لكن الرجل كان قد أعد واستعد لكل شيء ، بل ودفعهم إلى القيام بالمحاولة وهو على علم مسبق بما ينوون فعله ، فمن يتابع المسرحية في مشهدها الواحد الممل يدرك أن الرجل أعد كل شيء ورتب كل شيء للوصول إلى ما يبتغيه من نتائج مرسومة سلفاً ، وأهمها :
* إقناع أمريكا وأوروبا بأنه ما يزال رجل تركيا القوي وتجاوز الاحتجاجات التي صدرت من مؤسسات أمريكية وأوروبية تعارض الأعمال التي يقوم بها أردوغان خاصة تلك التي رافقت قمع الاحتجاجات السلمية عام 2013م ، ومحاولة تضييق الخناق على الصحفيين والإمعان في تكميم الأفواه ، وما يمارسه الرجل من نهج تسليطي وإسهام مباشر في توسيع نطاق الأزمات الجيوسياسية .
* السيطرة على جهاز القضاء .
* الخلاص من الخصوم في مؤسسة الجيش .
هذه أهم النقاط التي سعى أردوغان إلى تحقيقها من خلال الدفع بهذا الانقلاب الفاشل ، وفي هذا الصدد لم يخرج عن أسلوبه الرخيص والذي يتمثل في المضي بقتل الأبرياء بلا هوادة ، إذ كما نعرف ذهب ضحية هذه الحركة أكثر من (200) شخص لا ندري من أين سيأخذ تعويضاتهم ، فإذا كان قد أخذ تعويضات ضحايا مرمرة من دولة الكيان الصهيوني ، فمن أين سيأخذ تعويضات هؤلاء ؟
الحقيقة كما قلنا أن أردوغان ممثل بارع جداً ، إذ يكفي أنه أقنع رجل مثل القرضاوي رئيس ما يسمى باتحاد علماء المسلمين أن يناديه بأمير المؤمنين أو الخليفة المنتظر ، كما جاء في بيان الإدانة الصادر عن الاتحاد ، وفي هذا دلالة واضحة على أن الرجل قد رسم خطوطه المستقبلية كاملة ، وهي خطوط معروفة تتماشى مع اتجاهات حركة الإخوان المسلمين التي تحرم الجمهورية وأي نظام آخر ، وتنادي بعودة الخلافة الإسلامية ، وبالتالي فإنها تعتبر أردوغان الخليفة المنتظر وتعمل كل فروع الحركة في العالم بالذات في قطر ، وسوريا ، والأردن ، وعدد من الدول الأوروبية على إنضاج الفكرة وإيصال أردوغان إلى سدة الخلافة ، وهو من جانبه لا يقصر فهو قد عدل الدستور ويحاول أن يعدل الدستور مرة أخرى ، ومن أجل هذه الخطوة ها هو يعتقل آلاف القضاة وآلاف العسكريين الذين كان يعتبر أنهم حجر عثرة أمام رغبته هذه المرفوضة من قبلهم .
ودعونا نسلم جدلاً أن هناك انقلاب فعلاً ، لكن الحقيقة وما رافق العملية من إجراءات تؤكد أن أردوغان ضالع حتى أخمص قدميه في تهيئة المناخ أمام هذا الانقلاب ، لذلك نجد النتائج قادت إلى :-
* توجيه التهمة مباشرة إلى الداعية فتح الله غولن ، صديق حليف أردوغان القديم وخصمه اللدود حالياً ، ومطالبة أمريكيا بتسليمه لأنه يعتبر أن هذا الرجل يعمل دوراً كبيراً في تعبئة الشارع ودفعه إلى رفض رغبات أردوغان في التعديل الدستوري الذي يمنحه صلاحيات مطلقة ، تمهيداً لإعلان نفسه خليفة للمسلمين .
* المبادرة إلى سجن وملاحقة آلاف العسكريين في لحظة واحدة وكأن الكشوفات جاهزة ومعدة مسبقاً والأسماء معروفة ، فلم يجد الأمن أي صعوبة في البحث عن المطلوبين وتحديد عناوينهم .
* كذلك الأمر مع القضاة فكيف لجهاز الأمن أن يمسك بزمام أكثر من (3000)قاضي خلال ساعة ، أليست العملية معدة سلفاً ؟ إنها فعلاً من مفاجآت هذا الرجل التي لا تنحصر في فعل واحد ولن تتوقف لأنه يعرف ما يريد ، ومن أجل ذلك يمارس كل أعمال الإخفاء والتمويه ، وتغفيل البسطاء بالذات في دول الخليج ممن ينساقون إلى مرابع التآمر معه ويدعمونه في تنفيذ خططه الملتوية، باعتبار أنه المنقذ القادم ، وقد يصل إلى ما يريد لكنه لن يختلف عن هشام عبدالملك أو السفاح العباسي ، فهو امتداد لنفس النهج الذي طالما شكت منه الحضارة الإسلامية ، وهذا هو ما يجعلنا نتشاءم من هذا الرجل ، علماً أن الشعب التركي معذور حينما يخرج بتلك الكثافة للتنديد بالانقلاب وكذلك الأحزاب السياسية التي رفضت الانقلاب ، الجميع ذاقوا الأمرين من الانقلابات العسكرية ويرفضون العودة إليها .
نأمل من الله سبحانه وتعالى أن يحبط أعمال أردوغان قبل أن يحقق مآربه .. إنه على ما يشاء قدير .. وهو نعم المولى ونعم المصير ..

قد يعجبك ايضا