الانقلاب التركي وحملات التطهير؟!
جمال الظاهري
خلال ساعات وقبل التحقيق والتحري وبدون مقاضاة تم فصل اكثرمن2700 قاضي و30مدير بلدية وآلاف من أفراد المؤسسة العسكرية، بتهمة التورط في الانقلاب. أي عقل يصدق هذا؟ , آراء كثيرة لمحللين وسياسيين عرب وأتراك وغربيين ذهبت موصفة ما جرى بأنه انقلاب مفبرك, وساقت الحجج وزاوجوا بين ما شهدته تركيا في السنوات الأخيرة وبين ما يجري اليوم رابطة هذا بذاك؟!
حقوقيون ومنظمات تهتم بالشأن الإنساني، تطرقت للإجراءات السريعة التي قامت بها السلطات التركية محذرة ومتسائلة عن جدوى هذه الإجراءات وعلى منطقيتها وقانونيتها، فيما ما تم الإعلان عنه من إجراءات أمنية وإدارية رسمت سؤالاً هاماً وكبيراً عن الكيفية والإجراءات التي تم من خلالها اعتقال وإقالة هذه الإعداد الكبيرة بهذه السرعة وخلال ساعات والبلاد ما تزال تغلي؟
ثم وإن سلمنا بأنه انقلاب من المعارضين وأن الشعب التركي مع اردوغان وحكومته .. لماذا تغلق قنوات ومواقع التواصل الاجتماعي .. تويتر فيس بوك يوتوب ومواقع أخرى ومؤسسات صحفية؟!
مم يخافون؟ الشعب معهم حسب إعلامهم، والأمن وأغلب الجيش؟ أجبني يا من تحتج على الرأي القائل بأن الانقلاب مفبرك اعد ومول ورسمت خططه من قبل السلطات؟
لا شك أن السياسة ماخور يحوي كل الرذائل والقليل من الأخلاق، تركيا والانقلاب الأخير ليس بعيداً عن التوصيف مثله مثل بقية الأنظمة على مستوى العالم، وتركيا لا يمكن أن تكون استثناء لهذه الصورة في عالم اليوم، هذا مدخل لكل من لم يقتنع بما جرت من أحداث الانقلاب السريع والفاشل في تركيا ولدى أصحاب هذه القناعة ما يبررون تحليلهم لما جرى بهذه الصورة.
لا شك أن حزب اردوغان كان بحاجة إلى تجديد نفسه وتقديم صورة قادته وسياساته للشعب التركي وللعالم على أنه مسيطر وقادر ولديه الإمكانية لمواجهة كل الخصوم فاختار المؤسسة العسكرية على اعتبار أنها المؤسسة الأهم والأقدر على إحداث تغيير في المعادلة التركية الداخلية، فكان الانقلاب الهزلي.
هدف آخر كان يحتاج لتحقيقه إلى هزة كبيرة في الداخل التركي ومسوغ لتبريرات تمرير أي قرارات تتعدى الدستور والقوانين دون أن يكون هناك من يمكنه أن يقاوم ما سيصدره من قرارات، فكان الانقلاب.
على المستوى الخارجي، كان لابد من حدث بمثل هذا المستوى كمبرر لتغيير السياسات، والمواقف على مستوى المحيط (الجوار التركي) وعلى مستوى العلاقات الخارجية والتحالفات الدولية، خاصة تلك السياسات التي انتهجتها تركيا على مدى ست سنوات (منذ بداية الربيع العربي) وما جلبه على تركيا من مشاكل.
بالتأكيد إن ما حدث انقلاب ولكن من انقلب وعلى من، هل هو انقلاب على السلطة القائمة، أنه انقلاب (مفبرك) من السلطة على الخصوم وعلى التشريعات والسلطات التركية العميقة حسب ما يصفها به حزب العدالة، في مسعى منه لإقصاء الخصوم أو المعارضين وعلى ما تبقى من التشريعات التي تعيق أهدافهم كحزب له أيديولوجية تختلف وتتصادم مع إرث النظام العميق الذي ارساه مصطفى كمال أتاتورك إلا أن السياسات التي اتبعها النظام التركي وخاصة الخارجية منذ بداية الشتاء المهلك في 2011م ثورات (الربيع العربي) , لها دور في مواقف الشعوب والأفراد من ما جرى وسيجري في تركيا, وخاصة أولئك الذين تأثروا بما جرى في بلدانهم وما أصابهم من ذاك الربيع القاسي.
ولكن مبررات السلطات التركية وضعت علامات استفهام كثيرة تحتاج إلى إجابة وتفسير لعزل هذه الأعداد الكبيرة من القضاة وبهذه السرعة، خاصة إذا ما عرفنا أن اردوغان كان قد حاول في السابق السيطرة على السلطة القضائية، وحاول التخلص من الكثير من رموزها وبالذات بعد أن اتهم مع مقربين منه ومحسوبين على حزبه بأعمال فساد ونهب للمال العام وتسهيلات وإعفاءات غير قانونية وقف لها القضاء التركي واتهم فيها اردوغان شخصيا.
وبقراءة متأنية لما جرى فإنه من الواضح بأن الانقلاب كان مخطط له ومحسوب أثره ومحدد أدواته والهدف منه، وواضح أيضا بأن ما حدث في تركيا يصب في مصلحة اردوغان وحزبه، ويسهل له تمرير مشروعه الشخصي في السيطرة التامة على الشأن التركي، ولا ننسى هنا سعيه لتمرير مشروع قانون يخص تحول تركيا إلى النظام الرئاسي، ومن ثم قانون يعزز سلطات الرئيس الذي واجه معارضة شديدة وصلت إلى معارضة بعض أعضاء حزبه.
بالمجمل، فإن أحداث تركيا الأخيرة لن تنتهي عند هذا الحد، قد تتأخر الزوابع ولكن المؤكد أنها آتية لا محالة وأن تركيا قادمة على مخاض عسير لن يتوقف اللاعبون فيه على الداخل التركي، بل سيكون هناك أطراف دولية فاعلة ستلقي بثقلها في هذه الدراما التي سيكون الخاسر الأكبر فيها هو الشعب التركي وحزب الحرية والعدالة، ومن ثم العالم الإسلامي برمته، وفي مقدمتهم الشعوب العربية.