العيد قرين أنماط غذائية غير معتادة، تنبع من عادات اجتماعية تجذرت في الماضي ولا تزال حاضرةً حتى اليوم ..عادات لها – بالطبع- محاسن في تمتين الروابط والألفة بين الأهل والأصدقاء والجيران، ولها – أيضاً- مساوئ لدى المبالغة في الإكرام إلى حد الإلحاح على الضيف وإحراجه ليتناول ما يُقدم له من حلوى وعصير ومعجناتٍ وزبيب ومكسرات.
يقول الدكتور/عبدالمجيد بجاش – أستاذ علوم وتقنية الأغذية المساعد بكلية الزراعة ساد اعتقاد خاطئ عند البعض، مفاده أن الأكل الكثير في أيام العيد يعوض ما حرم منه المرء في أيام صيامه.
وفي الحقيقة إن الأطباء يحذرون- بشكلٍ عام- من الإفراط في تناول الطعام على اختلاف أنواعه خصوصاً في الأعياد والمناسبات، لكثرة وتزايد الاهتمام فيها بتعدد وتنوع أصناف الأغذية، وينصحون- من جانبهم- بضرورة الاعتدال في الأكل دون إقلالٍ أو إسراف, وبالأخص لدى تناول الدهون واللحوم الحمراء والسكريات وملح الطعام، لما لها من آثار مضرة بصحة الإنسان السليم، فكيف بالمريض؟
وأسوأ ما في الأمر عند صبيحة العيد لدى تناول أطعمة دسمة في وقتٍ يكون فيه الجسم وجهاز الهضم مسترخياً في حالة خمول، مما يترتب عليه ظهور أثارٍ سريعة كسوء الهضم والاضطرابات الهضمية وأعراضهما كالانتفاخ والمغص والخمول والصداع والبشم والحموضة والغثيان والإسهال، والتقيؤ أحياناً إذا ما ساء الحال، حيث أن الدسم يجعل عملية الهضم صعبة فيضاف إلى ما تم تناوله ليلاً، وبذلك تتعب المعدة كثيراً ويشق عليه هضم الطعام فتلجأ إلى إفراز المزيد من حامض المعدة.
ويضيف الدكتور بجاش إنه من المؤكد صعوبة تقبل الجهاز الهضمي لتغذية مفاجئة دون تعويده على تغذية قليلة بصورة تدريجية، من خلال البدء بأغذية سهلة الهضم والامتصاص، كخطوة أولى لعملية الانتقال إلى النظام الغذائي الجديد بعد رمضان بسهولة ويسر، وذلك حتى نجنب صحتنا مالا يحمد عقباه.
ولأن المعدة تعودت على الصيام ما يقرب من أربع عشرة ساعة يومياً طيلة شهر رمضان، فيجب أن لا نصدمها دفعة واحدة بصورةٍ مفاجئة في أول أيام الفطر بمزجٍ وافرٍ من الأطعمة الدسمة العسرة الهضم والعالية في محتواها من السعرات الحرارية، كي لا ينعكس تأثير ذلك سلباً على المعدة المتخمة، فيثير الشعور بآلام البطن والمغص وتلبك الأمعاء، بل ومن الممكن أن يصل الحال – نتيجة الإسراف في تناول الطعام بشراهة- إلى الشعور بضيقٍ في التنفس لمجرد امتلاء المعدة وحشوها حشواً وجعلها تتمدد ضاغطة ًعلى الحجاب الحاجز، فيضغط على الرئتين ويسبب ضيقاً في التنفس.
لاشك أن عيد الفطر فرحة لكل صائم أتم صيام شهر رمضان واجتهد فيه بالطاعة والمواظبة على الصلوات ليصلح ما بينه وبين خالقه.
ويوصينا الدكتور بجاش بأن نحتاط لنظامنا الغذائي خلاله حتى لا نقتل الفرحة فيه ولا نقحم أنفسنا في خوض مشكلات واعتلالات مرضية لا طاقة لنا على تحملها، فليس يعني انتهاء شهر رمضان أن نعود إلى سابق عهدنا مع الطعام والشراب قبل شهر رمضان، بالعودة إلى الإسراف والتخمة.
فمع الأسف يؤدي انهماك الكثيرون في يوم العيد لتناولهم المأكولات والمشروبات بإسرافٍ وحشوهم البطون بأكبر قدر منها- إلى أسوأ مما ذكرت- عندما تلحق بالمتخمين أضرار جسيمة قد تقود إلى إحالة وإسعاف سريع إلى المستشفى من فرط شدتها وآلامها، أو أنها تلزمهم فراش المرض بالمنزل لأيامٍ أو أسابيع.
* إن عاداتنا الغذائية –غالباً- ما تؤثر على صحتنا بشكلٍ يفوق تأثرنا بنوعية الطعام الذي نتناوله، وهذا ينم عن عدم إدراك أهمية التدرج في تناول الأطعمة والمشروبات وأهمية مراعاة الانتقال بجهاز الهضم من حالة التعود على الراحة والخواء نهاراً طيلة شهر رمضان المبارك، الذي لا ينتهي كهذا فجأة ببزوغ فجر عيد الفطر المبارك.
بالتالي عند تناول الأطعمة والعصائر والحلويات لدى حلول عيد الفطر المبارك يجب أن نتجنب الإكثار من المأكولات وسائر المشروبات دفعة واحدة، وإنما على دفعات صغيرة.
ويكفينا في البداية تناول القليل من الأغذية الخفيفة، سهلة الهضم والامتصاص والقليلة الدهون أو الخالية منها وأهمها التمر، وفى الوقت ذاته استبعاد المأكولات الثقيلة والدسمة والحلويات المشبعة بالسكر أو المكسرات إلى وقتٍ لاحق تكون فيه المعدة قد تهيأت وبدأت تتكيف مع وضعها.
* ننصح الجميع التحلي بقوة التحمل لتتهيأ المعدة والجسم، عبر تناول الأطعمة بكميات قليلة وبصورةٍ تدريجية وخصوصاً في اليوم الأول للفطر (يوم العيد) مع عدم التمادي في شرب الشاي والقهوة والعصائر المصنعة، وكذلك الأكلات الثقيلة والدسمة التي كثيراً ما يؤدى تناولها الزائد في العيد إلى زيادة الحموضة وسوء الهضم.
إلى ذلك فإن العديد من أغذية ومشروبات العيد تدخل فيها صبغات ملونة ومواد محسنة للطعم أو النكهة وتؤدى إلى حدوث أضرار على المدى القريب، كالاضطرابات الهضمية والتسممات الغذائية، والى أضرار لاحقة أكدت الدراسات العلمية مالها من تأثير وخطورة على الجسم على المديين المتوسط والبعيد، حتى أن البعض منها صنف بأن فيه مواد مسرطنة يصعب على الجسم التخلص منها، فتتراكم فيه بمرور الوقت وتزيد نسبتها بشكلٍ كبير وخطير، مؤديةً إلى تأثيرات سلبية على الكبد المسؤول عن تخليص الجسم من السموم والمواد الضارة.
أما تلك المأكولات الدسمة والغنية بالدهون فتُبقي الجسم عرضة لزيادة الوزن ولها تأثير ضار بأجزاء وأجهزة حيوية هامة فيه، ومنها يستخلص الجسم الدهون لتخزن فيه، وقد تزداد وتتكدس بالقدر الذي تُشكل فيه عبئاً وربما خطراً على الصحة، لما تفضي إليه في الظروف المواتية إلى الإصابة بمرض السكر أو بأمراضٍ قلبية وتصلب الشرايين.
* لا مراء – من منطلق حفظ الصحة وتجنب مالا يحمد عقباه- في حتمية وضرورة عدم قبول أي شخص ولو بالقليل من الحلويات والسكريات والأطعمة الغنية بالدهون طالما قد منع منها، كمريض السكر أو من يعاني من فرط السمنة، لكي لا يكون عرضةً لارتفاع ضغط الدم، وتلافياً لإنهاك القلب والبنكرياس والكبد والكليتين.
ومن غير اللائق صحياً، النوم مباشرة بعد الأكل الثقيل والذي على أثره يساورنا شعور بالإرهاق، نظراً لأن نسبة الامتصاص تزداد أكثر خلاله، وجراء هذا تتراكم كميات كبيرة من الدهون في الجسم مفضيةً إذا ساءت الأحوال إلى الإصابة بأمراض القلب والشرايين وإلى ترسبات دهنية كبيرة في الكبد تؤدي به إلى مشاكل مرضية فادحة.
كما إن عدم الإفراط في ملح الطعام أو الدهون والشحوم له دور في تقليل نسبة الأملاح في البول والتخفيف من أثرها على النسيج الكلوي.
أيضاً التخفيف منها يحافظ على بقاء ضغط الدم عند المستوى الطبيعي.
* إن من فوائد الالتزام بروح وفضائل الشهر الكريم تنظيم الوجبات الغذائية بالكيفية التي يوصي بها الأطباء أو المختصين في التغذية، فذاك أجدى واضمن للصحة ولحفظ رونق وبهاء الجسم.
ومن خلال ما ذكرنا من أن الصائمين يتبعون خلال أيام رمضان نَمَطاّ غذائياّ، يختلف في التوقيت والنوعية عن الأيام الأخرى، وأن هذا التغير الكبير في النمط الغذائي بعد رمضان المبارك يؤدي إلى مشاكل كعسر الهضم وغيرها، فإننا بذلك ننصح باستمرارية إتباع الغذاء الصحّي الذي كان متبعاً خلال الشهر الكريم، والعودة تدريجياً إلى النمط الغذائي العادي بعد رمضان المبارك.
وبمقدورنا عند إتباع بعض الإرشادات الغذائية التحوُّل من النظام الغذائي المتبع في شهر رمضان المبارك إلى النظام المغاير له في عيد الفطر وسائر أيام السنة دون أدنى عناء من خلال:
– إتباع النمط الغذائي المتدرج الذي لا يُرهق الجهاز الهضمي عبر وجبات صحية صغيرة متعددة بدلاً من تناول وجباتٍ كبيرة، حيث يساعد هذا النمط جهاز الهضم على التأقلم والعودة للنمط الغذائي الطبيعي الذي كان سائداً قبل الصيام.
– لا بأس من الاستمرار بتناول كمّيات كافية من السوائل والأطعمة الغنية بمحتواها من الألياف الغذائية.
– لتجنُّب حالات الإمساك خلال أيام العيد من المستحسن تناول بضع حبَّاتٍ من التمر قبل صلاة العيد، وبعد الصلاة يمكن تناول إفطار خفيف مُكَوَّن من خبز عربي (قمح كامل)، حليب قليل الدسم، جبن أو لبنة قليلة الدسم، و مقدار من الفاكهة.
– التقليل من تناول الأطعمة ذات المحتوى المرتفع من السُكَّر العادي البسيط، لأنه سريع الامتصاص مِثل الحلويات والمشروبات المُحلاة .
– التخفيف من تناول الأطعمة كثيرة الملح والدهون، ومن المشروبات الغازية المحتوية على الكافيين(الكولا) وكذا القهوة والشاي.
وفي الختام.. بإمكاننا تناول حلويات في العيد بمواصفات صحّية، وفي الوقت نفسه خفيفة لا تؤثر سلباً على عملية الهضم أو تربك المعدة مثل الحلويات قليلة الدهون والسكر، المحتوية على الفاكهة أو الحليب قليل الدسم، شريطة أن تكون – أيضاً- خالية من الإضافات الصناعية المحسنة للنكهة والطعم واللون.
وكللَ الله عيدكم بالخير والمسرات.
* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان.