مخطئ من لا قدرة له على الانقطاع عن التدخين ولم يشأ الاستفادة من رمضان وما في صيامه من مراس على تركه نهار كل يوم، تركٌ تنحسر معه الرغبة الجامحة في التدخين على غير العادة.
إنها فرصة لا يُفوتها إلا من لا يأبه بصحته ولا يكترث للآخرين من حوله المجبرين على تنفس أدخنة التبغ، مستنشقين سمومها قسراً، ومن أضرارها الخطيرة على الصحة ينهلون.
لا شك أن في صيام رمضان حلاً لمشكلة الإدمان على التبغ. إذ ثبُت أن بقاء الصائم في الصيام مدة نهارٍ كامل ودون تدخين يقضي على كل أعراض الإدمان، ذلك لأن مادة النيكوتين – عادةً- ما تكون سريعة الطرد من الجسم، لا تبقى فيه لأكثر من ساعة، لتبدأ معها الأعراض الانسحابية للنيكوتين(أعراض الإدمان)، وهي طفيفة؛ مثل الصداع الخفيف والتوتر البسيط.. يقول الدكتور محمد الخولاني مدير البرنامج الوطني لمكافحة التدخين.
يسهل على المدخن انتهاز الفرصة في الإقلاع عن التدخين وترك هذه العادة السيئة دون رجعة.
بيد أن من المدخنين من يُضيع صبره في مهب الريح لدى سماعه أذان المغرب في رمضان ولا يتمالك نفسه مكتفياً بتمرة أو تمرتين للإفطار أو حتى بالقليل من الماء، ثم بلمح البصر يشعل سيجارة ليملأ رئتيه بدخانها مغموراً بسعادة كبيرة، في الوقت الذي يكون فيه الجسم بأمس الحاجة إلى الطعام والسوائل.
فهذه المرحلة حساسة ليس لجهاز الهضم أثناءها أدنى استعدادٍ لهضم أصناف الأغذية العسرة الهضم، فكيف بالتدخين الذي ليس بغذاء؟
لا شك أن تأثيره سيئ للغاية على الرئتين وسائر الجسد في تلك الأثناء، حتى يكافئه المدخن بسموم خالصة يستنشقها عن طيب خاطر!
وأقل وأدنى ما يشعر به المدخن عقب أو أثناء تدخينه: الشعور بالغثيان والخمول وضعف الشهية للأكل.
يضاف إليها شعور البعض بدوار وصداع وألم في الصدر أو المعدة وزيادة الحموضة، وكل هذه التأثيرات كثيراً ما تظهر على المدخن- ليس على المدى البعيد – وإنما في العادة بعد انقضاء اليوم الأول على صيامه، وتحديداً عقب انتهائه من تدخين السيجارة الأولى أو الثانية، ليلاحظ بعد ذلك الفرق الشاسع بين حالته المزرية ساعتها وبين شعوره براحة خالصة خلال تحرره من التدخين نهاراً أثناء الصيام، وما من مغريات وهو لا يصادف أمامه ولا يرى أحداً- قط – يدخن طوال فترة الصيام وحتى لحظة الإفطار.
فيا لها من كارثة على الجسم العاكف خلال ساعات الصيام على التحرر من السموم ومن بينها سموم التدخين مثل(النيكوتين والقطران) ومواد أخرى بالغة الضرر؛ أثبتت الدراسات والأبحاث الطبية ضلوعها في مشاكل كثيرة مدمرة للصحة؛ لها تأثير مميت يسبب الوفاة للمدخن ولو بعد حين.
ويضيف الخولاني: مع الأسف، إن من بين المدخنين من يعرف بعض المعلومات والحقائق عن أضرار وخطورة التدخين فيدير لها ظهره؛ كأنما لا يعنيه منها شيء، وكأن من يتساقطون صرعى من المدخنين نتيجة أمراض مستعصية هي في معظمها بسبب التدخين؛ كأنهم يختلفون عنه مادام هو بصحة جيدة!
ومهما منَّى نفسه بألا ضرر سيصيبه بسبب التدخين؛ فإن استمراره ومضيه في تجرع واستنشاق سموم التبغ سيضره لا محالة في العاجل أو مستقبلاً، وبمعزلٍ عن الإقلاع عنه فلن يكون بمأمن من الخطر؛ مادام يواصل كل يوم إلحاق الضرر بنفسه وحتى بالآخرين من حوله. إذ تؤكد الدراسات وجود مواد مسرطنة في دخان التبغ، ومن أصل(4آلاف)مركب كيميائي ضار من مركبات التبغ توجد (50)مادة ثبت ضلوعها في التسبب بالسرطان لدى المدخنين؛ وتأثيرها يطال حتى من يعيش أو يتواجد في أوساطٍ ملوثة بدخان التبغ لاسيما إذا كانت مغلقة؛ كأماكن العمل داخل المنشآت وكذا المنازل والمطاعم وأماكن التجمعات المغلقة ووسائل المواصلات ومجالس القات.
فالقات معروف عنه أنه يؤثر في المدخن فيزيده رغبةً في التدخين، ولا تقف حدود المشكلة فقط عند تعرض غير المدخنين لدخان التبغ واستنشاقهم له، بل شكلت طقوس تعاطي القات مأزقاً كبيراً لغير المدخنين عندما يُجبرون على الاستنشاق القسري لسُحب الدخان الكثيفة التي ترُوق لمعظم المخزنين المدخنين خلال جلسة (التخزينة)؛ مُغلقين على الجميع النوافذ منعاً لتيار الهواء من الدخول، ووصل الحال إلى استدراج الكثيرين خلالها للتدخين من قبيل حَمْلِهم على التجربة؛ حتى يصبحوا مدمنين مثلهم.
بين التدخين والسرطان
إن الرابط بين التدخين والسرطان محكوم بالفترة الزمنية، فكلما زادت مدة التدخين، كلما زاد احتمال الإصابة بالسرطان، حتى إن الدراسات عزت بأن أحدى مكوناته الضارة الأساسية وهي مادة القطران (القار) تُشكل أهم المواد المسببة لسرطان الرئة وسرطان الدم، وأنها المسؤولة – أيضاً- عن أمراض الرئة الانسدادية المزمنة.
وتنسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية للتدخين تسببه بوفاة شخص واحد في العالم كل(8) ثوانٍ، ووفاة ما يربو على(13ألف)شخص يومياً، أي أكثر من(5ملايين) شخص في العام الواحد.
والعلم – بدوره- بيّن بأن تعاطي التبغ يجعل الإنسان معرضاً بزيادة (20)مرة أكثر من غيره للإصابة بسرطاناتٍ من أنماط أخرى، من ضمنها سرطان(الفم – الحنجرة – البلعوم – البنكرياس)، ويعزى إلى التبغ التسبب بسرطان المثانة نتيجة ما يحتويه من سموم ومواد كيميائية ضارة تفرز عن طريق البول.
بالإضافة إلى تسبب التدخين ومنتجات التبغ بتضيق شرايين القلب والمخ، المؤدي إلى انسدادها، وبالتالي الإصابة بالذبحة الصدرية واحتشاء عضلات القلب والجلطة الدماغية وغيرها من الأمراض المستعصية.
لعل ما سبق ذكره من أضرار التدخين ينسحب معظمها على أضراره على المَدَيين المتوسط والبعيد، في حين أن له تأثيرات سريعة، قريبة المدى بحسب تصنيف منظمة الصحة العالمية، فمن تأثيراته الفورية التي تبدو واضحة المعالم عند التدخين مع الإفطار أو عقبه: (هيجان الأنسجة المبطنة لتجويف الأنف- السعال- الغثيان- كتمة النفس- الصداع وغيرها).
الدكتور محمد الخولاني يؤكد أن التدخين قد يتسبب بالذبحة الصدرية نتيجة التقلصات الشديدة للشرايين التاجية بفعل تأثير النيكوتين، لدرجةٍ أصبح معها كثيرون ممن تتراوح أعمارهم بين(30-40)عاماً يصابون بها من جراء التدخين.
ولنا في الصيام دروس وفوائد ما على الصائم المدخن إلا اغتنامها للإقلاع عن التدخين، إذ من السهل على الجسم مع الصيام التخلص من أعراض الإدمان الذي يتجسد في توق ولهفة المدخن إلى التدخين، حيث المسؤول عنها مادة (النيكوتين)؛ وهي مادة سريعة الطرد من الجسم نتيجة الصيام، وبانحسارها عن الجسم تزول أعراض الإدمان على التدخين، ليسهل على المدخن – إذا عقد العزم على التحرر من التدخين- أن يقلع عنه نهائياً أفضل من أي وقت آخر في غير رمضان، ولن يجد صعوبة ليقاوم إدمانه؛ ذلك لأنه يتولد في جسم الصائم نوع من المقاومة ضد التلوث، مما يساعده على نبذ تلك العادة السيئة وتركها تماماً.
ويجدر بنا ألا نغفل حقيقة الأضرار التي يجني بها المدخن على غير المدخن، فهي ُمثبته في دراسات علمية كثيرة؛ بيّنت أن المدخن يستنشق ما بين (15-20%) فقط من محتويات التبغ والباقي ينتشر في البيئة، فيستنشقها الآخرين المحيطين بالمدخن، ويطلق على هذا الاستنشاق الجائر(التدخين القسري أو بالإكراه). وقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية تأثيره الخطير على الأطفال وعلى حديثي الولادة، ومنها أنه يؤدي إلى وزن منخفض للمولود وإلى القابلية العالية للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والربو والتهاب الأذن. كما يجعل الرضيع عرضة أكثر لخطر الموت المفاجئ.
وأذكّرهنا بواجب الآباء، ليكونوا القدوة الحسنة لأبنائهم، وما داموا يدخنون غير قادرين على التحكم في رغبتهم وحبهم للتدخين ثم نصحوا بعكس تصرفهم؛ فلا جدوى من نصحهم، وهم بالتدخين يُلحقون ضرراً بأنفسهم وبمن يتواجدون حولهم على مقربة منهم وخاصةً الأطفال والنساء الحوامل، فأين هم من قوله تعالى: “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً”، وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما روي عنه: “من ضارَّ، أضرّ الله به؛ ومن شاقَّ، شقّ الله عليه”.
* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان