لفظ “مُسِن” يُنعت به كل من تجاوز الستين من سنين عمره، وهي مرحلة في حياة الإنسان يصاحبها- غالباً- تغيرات(فسيولوجية) بخلاف من لم يصلوا بعد إلى هذا السن.
قال تعالى: “وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ” سورة يـس- الآية(68).
وتتباين هذه التغيرات من مسنٍ إلى آخر تبعاً لكبر السن والحالة الصحية والبدنية، فمع تقدم العمر والشيخوخة تضعف العظام نتيجة نقص مكوناتها من أملاح وغيرها، وتتقلص كتلة العضلات بالجسم بصورة عامة، ويظهر- أيضاً – تدهور في عدد الخلايا العصبية يعمل على التقليل من فاعلية دورها الوظيفي.
كذلك حدوث قصورٍ في وظائف عضلات القلب أمر ورد بالفعل؛ وقد يصاحبه تضيق في الشرايين.
وليس غريباً أن يفقد معظم المسنين أسنانهم أو جزء منها، في حين يعتريهم تراجع في حدة المذاق والشهية. ناهيك عن إمكانية حدوث كسل في حركة الأمعاء، وتدني في الإفرازات الهضمية.
وبطبيعة الحال، تطال تغيرات الشيخوخة الجهاز البولي؛ فيقل معها عدد وحدات الترشيح بالكلية؛ مما يؤدي إلى حدوث قصورٍ في وظائف الكلية.
يقول الدكتور عبدالجليل درهم أستاذ علوم الغذاء بكلية الزراعة جامعة صنعاء: ليست الغدد الصم بمعزلٍ عن التغيرات بفعل كبر السن، حيث يتدنى إفرازها للهرمونات، وينخفض دورها في توليد الطاقة اللازمة للجسم. كما يشيع بين أوساط المسنين أمراض تصلب الشرايين وفرط ضغط الدم والسكري وغيرها من أمراض العصر.
مؤكدا انه سواءً حدثت هذه التغيرات مجتمعة عند المسن أو ظهر البعض منها؛ فإنها – حتماً- تستدعي وجوب أن يحضا المسن بنمطٍ غذائيٍ يُلاءم حالته الصحية وظروفه المعيشية.
وأضاف: على ذكر الصيام وشروطه وفوائده، فإن المسنين مُكلّفون بما أمر الله به من أحكامٍ من ضمنها الصيام، لكن حكمه يختلف تبعاً لقدرتهم الجسدية والعقلية، فالشريعة الإسلامية السمحاء تجيز إفطار من لا قدرة له على الصيام لكبر سنه ووهنه، لقول الحق سبحانه:”وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين”، بينما المُسن القادر على الصيام وأعاقه مرضاً عرضاً؛ فله أن يفطر ثم يقضي ما أفطر في رمضان من أيامٍ بعد انقضاء الشهر الكريم لدى شفائه من مرضه، قال تعالى:” ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون” سورة البقرة- الآية (185).
وبالمقابل، لا ضير يترتب على تأدية فريضة الصيام لمن توافرت لديه الاستطاعة والقدرة على أدائها من كبار السن، وهذا نستشفه في قول الحق جل ثناؤه : “وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” سورة البقرة- الآية(184).
والعلم- بدوره- خلص إلى الكثير من منافع الصيام العائدة على المسنين القادرين عليه، كاشفاً خفايا عظيمة أكدت أهميته ونفعه للمسن، فكان لدراسات وأبحاث علمية أن تناولت تأثير الصيام على الإنسان وخلصت فيما يتعلق بالمسنين إلى نتائج مثيرة أبرزها:
– ثبت أن للصيام دوراً لا ينكر في مقاومة الشيخوخة، إذ تبين أنه يساعد في تنشيط الجينات المسؤولة عن إفراز هرمونات تعمل في تعزيز وظيفة خلايا محددة من شأنها مواجهة زحف الشيخوخة على الإنسان، وللصيام ردة فعل تجعل الخلايا تقاوم الموت وتعيش فترة أطول، مما يساعد في مقاومة الشيخوخة.
– إسهام الصيام في تنشيط عمليات الكبد الحيوية، داعماً دور الكبد في التخلص من الدهون الزائدة عن حاجة الجسم بطريقةٍ آمنةٍ دون تجمع (الأجسام الكيتونية) في الدم.
– ثبت أن حالة العطش التي يتعرض لها جسم الإنسان بسبب الصيام تُساعد في إفراز الهرمونات التي تنظم عمل(الإنزيمات) المحللة (للجليكوجين) في خلايا الكبد، بما يوفر لجسم الإنسان مصدراً للطاقة يسد احتياجاته لاسيما في نهاية اليوم.
– لحالة العطش مع الصيام إسهام في زيادة إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول طوال فترة الصيام، ووفق ما أوردته نتائج دراسات لبعض الاختصاصيين وجد لهذا الهرمون دور بالغ الأهمية في تحسين القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة، وهذا يتفق مع القول: “من جاع بطنه عظمت فكرته، وفطن قلبه”.
ولعل من المفيد سرد بعض النصائح التي نَحْسَب أن تكون مفيدة لتُتبع من قبل المسنين خلال تأديتهم فريضة الصيام، ومن هذه النصائح:-
– تعجيل الفطور وتأخير السحور، وأن يكون غذاء المسن في كلٍ من وجبتي السحور والفطور متوازناً بما يحقق حصوله على احتياجاته من عناصر أساسية وغذائية (الماء، الكربوهيدرات، البروتين، الدهون، العناصر المعدنية والفيتامينات).
ولكي يستعيض المسن ما فقده جسمه من سوائل نهاراً مع الصيام؛ عليه تناول قدرٍ كافٍ من الماء ليلاً في الفترة الممتدة من الفطور وحتى النوم؛ بما لا يقل عن لتر ونصف من الماء.
– إذا كان المسن ممن يُحظر عليه تناول التمر؛ فلا بأس بأن يبدأ إفطاره برشفات من الماء المعتدل وليس البارد، لأن الإفراط في شرب الماء المثلج أثناء وقبل الإفطار يؤدي إلى انقباض الشعيرات الدموية في الجهاز الهضمي ويبطئ حركته ويخفف العصارات الهاضمة.
وبعدها يمكنه تناول شوربة الخضار، بما يكفل حصول جسمه على كمية سوائل تساعد في عملية التحفيز لتكوين العصارات الهاضمة خلال تأدية المسن لصلاة المغرب، لتكون بذلك المعدة مهيأة لوجبة العشاء.
– يجب على المسن أن يخفف من تناوله للأطعمة الدسمة والمنتجات الحيوانية المشبعة بالدهون؛ كالسمن والزبدة والزيوت، بينما يفضل له تناول الزبادي في وجبة العشاء الرمضاني ومنتجات الألبان المختلفة غير المشبعة بالدهون، ولأن اللحوم الحمراء ليست جيدة لصحته فلا يتناولها إلا بكمية قليلة؛ أو يتناول اللحوم البيضاء بدلاً منها فهي تلائمه؛ مثل الدجاج المسلوق أو السمك.
* والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان