هناك كثير من التساؤلات بحاجة إلى إجابات تتمحور حول العوامل المسببة للمرض ولا يتسع المجال لذكرها جميعاً؛ إنما يكفي التطرق لأهمها بمناسبة شهر رمضان، لما للوقاية من السرطان من ارتباط بهذا الشهر الكريم.
وبالمفهوم البسيط، فإن السرطان: مرض يحدث بسبب خروج الخلية السرطانية عن النظام والقانون الطبيعي في الجسم.
فالخلية الطبيعية تؤدي وظيفتها بتوازن ونظام وانضباط لا تفريط فيه بعملها ولا تطاول على حق غيرها، وليست تهاجم غيرها من الخلايا ولا تتكاثر إلا عندما يُطلب منها؛ في نسق منضبط ودقيق.
أما الخلية السرطانية فعلى العكس تماماً؛ ما يعني خروجها عن نطاق السيطرة.
ومع الأسف، فالإنسان ذاته هو من يجعل الخلايا تخرج عن طبيعتها وعن نظامها المحكم؛ لعدم تحاشيه عوامل الخطورة والمسببات المؤدية للسرطان، ويؤكد الدكتور أحمد أحمد شملان –استشاري علاج الأورام أنه مرض يصيب أي عضو وأي نسيج بالجسم، ومن دون استثناء نجد الكبار والصغار؛ ذكوراً وإناثاً معرضين له، فالفارق من شخصٍ لآخر تتحدد فيه الجينات المسؤولة عن القابلية للمرض بمعية حجم التعرض للعوامل المسرطنة، وباجتماعهما يكون أشخاص عرضة للسرطان أكثر من غيرهم.
وللعلم، هناك أورام سرطانية غير معروفة أسبابها عامةً، غير أن أغلب العوامل كُشف عنها الستار وتصنف بخطورتها بعدما اتضح أن لها علاقة ببعض الأورام السرطانية؛ بناءً على ما توصلت إليه الكثير من الأبحاث العلمية.
فماذا عن هذه العوامل المسرطنة؟ وكيف نتجنبها؟
باختصار تكمن عوامل الخطورة في ممارسات وعادات غير صحية كثير منها دخيل على مجتمعنا، ولعل أبرزها:-
– التبغ ومشتقاته:- سواءً ما يتم تدخينه مثل (السجائر، المداعة، الأرجيلة، الشيشة، السيجار) أو ما يتم وضعه أو مضغه في الفم(كالشمة، الزردة، السوكة وغيرها)، وهي أساساً من المفطرات، بينما أجمع العلماء الباحثون في حقل الطب على أنها أهم عامل ثبُت تسببه بالكثير من أنواع السرطان وبأمراض خطيرة أخرى؛ مثل أمراض القلب والجلطات وأمراض الرئة وغيرها.
ومشهد الصائمين وقد أحجموا وامتنعوا نهاراً أثناء الصيام عن التدخين وكذلك المدمنين على المواد التبغية الأخرى، لهو جيد يبعث على التفاؤل، إلا أنهم – ومع ذلك- لا يأبهون بعودة السموم الخطيرة التي تخلصت منها أجسادهم أثناء الصيام مجدداً، فسرعان ما يعمدوا إلى التدخين في موعد الإفطار، بل ويغالي البعض في إلحاق الضرر بنفسه وغيره فتجده شرهاً نهماً على التدخين على غير العادة، والمشاهد من حولنا كثيرة سواءً في الشوارع أو مجالس القات أو المقاهي والأسواق أو وسائل المواصلات..الخ.
وبالتالي نذكر المدخنين عموماً بأنهم محاسبون أمام الله عن الاضرار بأنفسهم وبغيرهم ومادام أنهم استطاعوا طيلة فترة الصيام الإقلاع عن هذه العادة بعزيمة متينة، فلماذا يتركون عزيمتهم لتنهار وقت الافطار، فهذا رمضان عامر بعطائه في جمح وكسر الرغبات والعادات الضارة بالصحة وفي صيامه فرصة للإقلاع عن التدخين.
كما أن السمنة والزيادة غير المثالية في الوزن وتراكم الدهون بالجسم هي من عوامل الخطورة التي يحذر الأطباء وعموم الباحثون من تبعاتها في التسبب بالكثير من أنواع السرطان؛ نتيجة الإفراط في الأكل وقلة النشاط البدني وأنماط الحياة العصرية التي تبعث على العيش المريح وقلة الجهد المبذول بشكل لا يكافئ مقدار ما يتناوله الإنسان في غذائه من سعرات حرارية.
فالوجبات السريعة والإكثار من البروتينات والدهون والسكريات- دون الالتفات إلى الخضراوات وسائر الأطعمة النباتية المصدر- هي بالمجمل موضع اتهام؛ فليس فيها منفعة- عند الإفراط في تناولها- بقدر ما تلحقه من أضرار، وأهم هذه الأضرار: أنها تعمل على تراكم المواد الزائدة عن الحاجة في الجسم وتراكم السموم والعوامل المؤكسدة بالخلايا وترهل وضعف حركة الأعضاء ومنها المعدة والأمعاء، وكذا زيادة مستوى الدهون بالجسم وبعض الهرمونات، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة إمكانية حدوث السرطان عند الذين ينطبق عليهم نمط العيش غير الصحي.
والحل الرائع والفعال لهذه المشكلة يتجسد في فريضة الصيام التي اعتبرها فريضة ربانية حبانا بها الله طيلة شهر من كل عام؛ شريطة إتباع هدي النبي(صلى الله عليه وسلم) وما سنَّه للمسلمين من آداب وإرشادات مفيدة للصحة، فلا نفرط في الأكل في إفطارنا وعشائنا ولا نجعل صيامنا قرين الخمول والكسل؛ بل في سباق إلى مرضاة الله والتقرب إليه بالعبادة وأداء الأعمال الصالحة، وبذلك يكون الصيام حلاً لتلك المشاكل ومخلصاً للجسم من المواد الضارة والزائدة فيه وباعثاً على الحيوية والنشاط لأعضاء الجسم وخلاياه. فرمضان شهر عمل ونشاط؛ شهر اعتدالٍ وتحررٍ من الشهوات، وليس موسماً للتخمة والنوم والخمول بما يتنافى مع جوهر الصيام والحكمة من فرض هذا العبادة، وكيف بنا سنخلص أجسادنا من الدهون والسموم ونحن قليلي الحركة كُسالى لا نبذل نشاطاً يحمل الجسم على إحراق الدهون الزائدة وطرد السموم؟.
أيضاً ضعف المناعة وسوء التغذية يشكلان عاملين مهمين من العوامل المؤدية إلى زيادة قابلية الجسم لإمكانية حدوث السرطان، إذ تسوء الحالة الصحية للإنسان مع استمراره في تناول غذاء غير متزن يفتقر إلى بعض مكونات الغذاء الضرورية، وهذا- لا شك- يؤدي إلى الضعف العام والهزال وضعف المناعة وقابلية الجسم للأمراض.
وبالتالي، كلما كانت المناعة ضعيفة؛ كانت الخلية السرطانية حرة طليقة تستطيع التكاثر، مكونة في البداية خلايا سرطانية تتكاثر لتشكل نسيجياً وورماً يبدأ صغيراً ثم يزيد حجمه وكتلته شيئاً فشيئاً، وهذه الخلايا السرطانية- بطبيعة الحال- تعمل عملها في الجسم تباعاً لموقعها وطبيعتها، بالإضافة إلى سوء الحالة النفسية والقلق المشوب بالتوتر:- وذلك بسبب تكالب الأعباء وضغوط العمل والمعيشة والمشاكل المؤثرة سلباً على حالة الاستقرار النفسي، وبالمجمل فإن هذه العوامل لها من التأثير على الحالة الصحية العامة للإنسان لدرجة يكون معها عرضة-أيضاً- للسرطان.
والحل يكمن في تعميق الاستفادة من شهر رمضان، فقد كان الصحابة(رضوان الله عليهم) يعتبرونه محطة روحية وفترة تزودٍ بالحسنات وفرصة لا تعوض على مدار العام للحصول على المغفرة والرحمة والعتق من النار والتقرب إلى الله، تقرباً تشرأب فيه الطمأنينة في النفس فتسكنها الراحة وتزول عنها بواعث القلق والتوتر، فبذكر الله والتقرب إليه يطمئن القلب وتتبدد الهموم، قال تعالى: ” آلا بذكر الله تطمئن القلوب”. وعندما تحل الطمأنينة في القلب؛ فإنها تسري في كل خلايا وأعضاء الجسد، وعندها تؤدي أعمالها بكل سلاسة وراحة وتكون بمأمنٍ أكثر من حدوث السرطان.
أعاذنا الله وإياكم من كل داءٍ وبلاء وعافا وشفا بفضله من ابتلى بالسرطان، إنه سميع مجيب.
المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكان
بوزارة الصحة العامة والسكان
Prev Post
Next Post