اختبار العاصفة!
كمال البرتاني
قال الشاعر الهندي (رابندرانات طاغور): “سقف بيتي يشبه الهند؛ شقوقه كثيرة”، في تعبير حزين ويائس عن رفضه لموجات العنف التي تشهدها بلاده بين المسلمين والهندوس. هذه القضية دفعت المفكر الشهير (أمارتيا صن) لكي يدرس بتبصّر مسؤولية الهوية عن ممارسة العنف، والسكوت عليه.
لكن، ماذا لو كان الإنسان حائرا بين هويتين، “كمن يمتطي جوادين في الوقت ذاته”، كما يحدث لأبناء المهاجرين في أي مكان من العالم؟! كيف يمكن الجزم أن أحدهم – في أعماقه- ينتمي لموطن أجداده أو للبلد الذي ولد ونشأ فيه؟!
ابتكر أمارتيا صن ما أسماه “اختبار الكريكت”، وقال إن اتجاه بوصلة الهوية لدى أبناء المهاجرين الهنود في إنكلترا، يمكن تحديده في مباريات الكريكت التي تجمع المنتخبين الهندي والإنكليزي. فكرة بسيطة وواقعية، فتشجيع هذا المنتخب أو ذاك يحسم مسألة الانتماء، ومستوى الاندماج في المجتمع الإنكليزي. وقياسا على ذلك، هل بإمكاننا إجراء “اختبار العاصفة”؟!
عندما أعلن سفير الرياض في الولايات المتحدة عن بدء “عاصفة الحزم” العدوانية على اليمن، باركها كثير من اليمنيين لأسباب سياسية معروفة ومفهومة، لكن نسبة كبيرة من هؤلاء، تبدل موقفهم عندما رأوا وحشية القصف وحجم الدمار ونوعية الأهداف. آخرون – لأسباب مناطقية ومذهبية- ظلوا يشجعون العدوان، ويغضون الطرف عن الحصار والاحتلال، ويتغاضون عدد الضحايا من القتلى والجرحى والنازحين والعاطلين، ومن أصيبوا بأمراض عضوية أو عاهات نفسية.
هل يمكن أن نعد هؤلاء يمنيين؟!
وهل يمكن تطبيق اختبار العاصفة على إخوان اليمن؟!
حتى من دون عواصف، يعيش الإخوان بلا هوية، في اليمن وفي غيره من البلدان؛ لأن الانتماء للجماعة مقدّم على الانتماء للوطن، ولأنهم لا يعترفون بحدود الأوطان. وطنهم هي فكرة قديمة صدئة. . وطنهم هو (كيس الخلافة) الذي وضعهم منظروهم الأوائل داخله وأحكموا ربطه. وعلى مدى عقود طويلة، لم يستطيعوا – بل لم يحاولوا- أن يفتحوا ذلك الكيس لينظروا إلى الواقع بأعينهم، لا بعيون (حسن البنا) و(سيد قطب)!!
ومع ذلك، فاختبار العاصفة مهمٌ جدا؛ لتعرية هذه الكائنات التي تخلت عن جذورها وظلت سابحة في الفراغ كالفقاعات. لم يشعر أحدهم بفداحة الخسارة وهو يرى مدرسة أو جامعة أو مستشفى يتحول إلى أنقاض في طرفة عين. لم يرفّ لأحدهم جفن وهو يشاهد الجثث المتفحمة في المدن والقرى ومخيمات النازحين، في المصانع والمزارع والأسواق، وجميعها كانت في مرمى النيران المجنونة ولا تزال.
يمكنك أن تعارض، وتعبر عن موقفك السياسي، وأن تكون يمنياً صميماً في الوقت ذاته؛ هذا إن رضيت أن تظل متفرجاً على ما يحدث كأنك تشاهد مباراة كريكت!!