الحوادث المرورية في رمضان.. موت وأخطار مروعة

حوادث الطرق مشاهد تبعث على الأسى لكثرتها في رمضان، ومتسببوها – عادةً- عديمو الصبر/مشدودو الأعصاب ممن غلبتهم العجالة فحادوا عن اليقظة وحسن القيادة للسيارات أو المركبات؛ لاسيما خلال اللحظات والدقائق الفاصلة التي تسبق موعد الإفطار الرمضاني؛ ثم مع الأيام والليالي الأخيرة من رمضان، وكأنما انغلق التفكير وسُدت منافذه عن التريث والصبر، فهذا دأب من اختار السرعة؛ غير آخذٍ بالاعتبار أخلاقيات القيادة وقواعد المرور..
من نبض الواقع مسترشداً بالحقائق؛ تحدث الدكتور/ أوسان غازي إسماعيل- مدير برنامج الوقاية من الإصابة والعنف بقطاع السكان- وزارة الصحة، حول مشكلة الحوادث المروية بما تشكله من عبء على الصحة والسلامة البشرية؛ مبيناً الأسباب والعوامل المؤدية في شهر رمضان إلى تصاعد وتيرتها الكارثية، فلنبقى مع التفاصيل وحديثه الذي قال فيه:
حالات عجز وإعاقة بدنية ونفسية وآثار اجتماعية وخسائر اقتصادية واسعة وكذا وفيات فاقت ما تخلفه الحروب حول العالم سنوياً.. لعل الجميع يعرف ما هي؟ وما أسبابها؟ فليست ظواهر طبيعية وإنما من صنع البشر..
إنها حوادث الطرق أو ما اصطلح على تسميتها(الحوادث المرورية).
واتفق خبراء الصحة العامة على أن مسببات الحوادث على الطرقات؛ ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية شملت:(الإنسان- الطرق- المركبة)، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة كل منها يسهم في الحادث، ولكن يظل العامل البشري المحور الأصعب والأبرز بين هذه المسببات؛ فهو المعني بالوقاية من الحوادث المرورية.
وحري بالصائمين خلال شهر الصيام والعبادة والتقرب إلى المولى جل وعلا بما يحمله من نقاء وأجواء إيمانية أنعم بها الله على المقبلين على خالقهم؛ حري بهم أن يتأسوا ويقتدوا بهدي الرسول(صلى الله عليه وسلم)ويعوا ويطبقوا قوله: “إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم”.
فالحوادث على الطرقات على أشدها خلاله وبالذات عند اقتراب موعد الإفطار.
وبالبحث عن المسببات؛ سنجد الدور الأبرز للعامل النفسي بسبب التغير الوقتي في أمور حياتنا اليومية؛ بما نفرضه على أنفسنا من تأدية أعمالٍ ومهام يومية في رمضان خلال أوقات مغايرة للعادة، حيث غلب على المجتمع فيه -عموماً- اتخاذ الفترة الصباحية للنوم بدلاً من الليل؛ بل ووصل الحال بالبعض إلى إطالة نومه إلى الظهر أو العصر.
وفي العادة تأخذ وتيرة النشاط والحركة وقت الظهيرة في النمو تدريجياً؛ ثم تزداد عصراً؛ فتزدحم الطرقات والشوارع بالسيارات والمارة.
والوتيرة الأعلى لهذا الازدحام تكون بعد العصر مع اقتراب موعد الإفطار؛ الوقت الذي يدب فيه التوتر ونفاذ الصبر من قبل بعض سائقي السيارات والمركبات والكثير من المشاة؛ خشية عدم إدراك الإفطار في موعده بالمنزل أو المسجد، الأمر الذي يؤدي إلى حوادث جنونية تخلف إصابات بالغة ووفيات.
لكن وقوع مثل هذه الحوادث يختلف بعض الشيء في الفترة الصباحية من رمضان، ففيها تجوب الطرقات القليل من السيارات والمركبات المختلفة، إلا أن سائقيها يغلب عليهم عدم الالتزام بإشارات المرور؛ باعتبار أن الطرق خالية من المشاة والمركبات، وبذلك تقل الحوادث في هذه الأثناء، لكنها إذا حدثت؛ تكون مأساوية ومميتة.
وبطبيعة الحال، لا يتوقف مسلسل الحوادث على الطرق في الفترة المسائية؛ توقيت نزول الناس خلال الشهر الكريم إلى الشوارع والأسواق، وحينها قد لا تكون أضواء الطرق والشوارع بالمستوى الذي يساعد السائق على الرؤية الواضحة؛ أو أن أضواء بعض السيارات أو المركبات خافت – بالأساس- لا يسمح برؤية واضحة، وهذا لا شك يُسهم في زيادة حوادث السيارات الواقعة على المارة أو بين المركبات المختلفة.
وفي اتجاه آخر، ننتقل إلى أوسع حوادث السير وأكثرها مأسوية ودموية في الشهر الكريم، آلا وهي الواقعة في العشر الأواخر من رمضان، فالناس في خواتيمه المباركة في سباق مع الوقت؛ إما لشراء مستلزمات العيد من ملابس وحلويات؛ أو ينشغلون بالتحضيرات للسفر؛ فيتدافعون ويتقاطرون بالسيارات والمركبات في الطرق الطويلة، وعلى عجلة من أمرهم ينشدون الوصول سريعاً إلى قراهم أو إلى المدن الأخرى؛ لغرض قضاء فترة العيد في أجواء مختلفة بين الأهل والأحبة.
ويتزايد هذا الإقبال وتزداد الجلبة باقتراب موعد عيد الفطر المبارك، ثم إذا ما انتهت رحلة الذهاب بسلام؛ يكونون على موعدٍ مع مخاطرة أخرى لدى رحلة العودة عقب قضاء إجازة العيد وبنفس الوتيرة السابقة من العجالة، ليعود الموظف إلى وظيفته والطالب إلى مقر تعليمه وكلٌ إلى عمله.
لعل أكثر الناس تسبباً بحوادث السير، هم المخلون والمتهاونون بقواعد السلامة والمرور، وعلى ما يبدو نجد الذكور في اليمن أكثر عرضة للحوادث من الإناث، وذلك لكثرة خروجهم إلى الشوارع قاصدين أعمالهم أو لقضاء حوائجهم أو ما يلزم عليهم أداءه من مسؤوليات.
كما إن الأطفال- تحديداً- معرضون بشكلٍ كبير لهذه الحوادث، ويُعزى هذا إلى عدم اكتمال نمو الإدراك وضعف مقدرتهم على معرفة مكامن الخطر وما يجب التقيد به عند قطع الطريق لدى خروجهم إلى الشوارع أو ذهابهم وإيابهم من وإلى أي مكان يريدونه أو عندما يتخذون الشوارع متنفساً للهو واللعب.
لكن هذا لا يقل سوءًاّ – برأيي- عما يقدم عليه بعض السائقين من تصرفٍ لا مسؤول؛ عند إقدام السائق على احتضان أطفاله الصغار أثناء القيادة؛ فيقود باليد اليمنى ويحتضن أحد أطفاله بيده اليسرى، مما يربكه عن القيادة ويشغله عن التركيز على خط سيره، ومن هذا القبيل – أيضاً- القيادة في ظروف السهر والنعاس؛ أو الإرهاق الشديد وتدني التركيز؛ أو تحت تأثير بعض الأدوية كأدوية السعال والحساسية التي تسبب النعاس أثناء القيادة.
وهذا التصرف المخل أو ذاك؛ قابله تجاوزات الدرجات النارية واندفاعها المفاجئ أمام السيارات، وفيمَ تبدو وسيلة سريعة وسهلة للتنقل؛ إلا أنها – بهذا الجنون والسرعة الزائدة- تُعد وسيلة أكثر سهولة للفتك بسائقيها وراكبيها عند الحوادث؛ مسفرة عن إصابات بالغة في الرأس وكسور في عظمة الفخذ وغيرها من الإصابات البليغة.
إن المتأمل للصورة والناس يملئون الشوارع والأسواق؛ مشاة وراكبي سيارات ووسائل مواصلات أخرى مثل الحافلات، الباصات، الشاحنات والدراجات النارية؛ سيجد كلاً منشغلاً في شأنه وعلى عجلة من أمره، ومن بينهم من شرد به التفكير عن الطريق وما فيه من مخاطر قاتلة.
وبذلك، يمكن استنتاج العديد من عوامل الخطورة المؤدية إلى تصعيد الحوادث على الطرقات في شهر رمضان وما ينتج عنها من وفيات كثيرة ومراضة وإصابات وكسور بالغة؛ حولت رمضان وخواتيمه إلى مناسبةٍ للحوادث المرورية للمشاة وبين السيارات والمركبات المختلفة، ومن أبرز هذه العوامل:-
1 – السرعة وعدم التروي.
2 – تشتت ذهن السائق وانعدام تركيزه أثناء القيادة.
3 – فقدان المشاة للتركيز عند العبور، وتجاهلهم وسائل الأمان، وعدم التزامهم بآداب وقواعد المرور.
4 – ازدحام السيارات على الطرق السريعة بين المحافظات.
هذا بالإضافة إلى عدم ربط السائق والراكبين حزام الأمان؛ أو الانشغال عند القيادة بالهاتف مع تجاهل السائق لقواعد السلامة على الطرق.
وعند حديثنا عن حوادث السير؛ مستعرضين نماذج من الأخطاء التي يقع فيها السائقون والمشاة – على السواء- يقود بنا ذلك إلى الغاية الأسمى وهي السلامة على الطرق التي آن لنا أن نستشعر أهميتها ونطبقها في حياتنا؛ باعتبارها وسليتنا لتحقيق وقاية كاملة من الكوارث المختلفة عبر ثلاث مستويات لا بد من توافرها:
– المستوى الأول: الوقاية بهدف الحد من الإصابات والوفيات قبل وقوع الحادث.
– المستوى الثاني: الاهتمام بتقليل الإصابات والوفيات في الساعة الأولى عقب الحادث؛ عبر تقديم خدمات الإسعافات العاجلة في موقع الحادث ونقل المصابين بشكلٍ سليم إلى أقرب مرفق صحي.
– المستوى الثالث: عملية إعادة تأهيل المصابين بدنياً ونفسياً من جراء حوادث السير، وإعادة دمجهم في المجتمع.
غير أن المستوى الأول المتمثل في الوقاية وتجنب الحوادث قبل وقوعها يظل المرتكز الأساسي لخفض عدد حالات الوفاة والإصابات.
وتعتمد الوقاية الأولية على مبدأ تغيير السلوكيات والعادات التي تتنافى مع قواعد السلامة على الطرقات؛ وتشجيع تطبيق سائقي المركبات والمشاة – على حدٍ سواء- للممارسات الحسنة، ولا يأتي ذلك إلا عبر عملية التوعية والتثقيف الصحي، ومن خلال التوعية المرورية عبر الصحف والمطبوعات والملصقات؛ والتوعية الجماهيرية عبر قنوات التلفزيون والإذاعات؛ للخروج بالمعرفة المجتمعية المثمرة وتطبيقها عملياً؛ بالشكل الذي يكفل للجميع السلامة المرورية.

* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان

قد يعجبك ايضا