عن التجديد وإحياء القيم..!!

عصام حسين المطري

بحث التراث الحضاري الثقافي والسياسي والاجتماعي يستدعي جهوداً جماعية منتظمة وتطلعا خاصا يهويان بالركود إلى قعر مكان سحيق في غير اكتراث بانعكاس هذا الصنيع أو بملابسات الوقائع والأحداث المصاحبة.
ويتزامن طلب ذلك البعث مع نضوج الأمة ثقافيا ومع بلوغ وعيها ذروته هذا فضلاً عن اكتساء الأمة ثوب العزة والكرامة وتحليقها في سماء الإنجاز والإبداع في العديد من مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة.
فبالنظر إلى الحقب التاريخية المختلفة ودراسة حركة الواقع الإنساني يتضح جليا كينونة ذلك التزامن المصاحب مرشد الأمة بمختلف مجاميعها وتكويناتها المختلفة وبمعنى أعمق وضوحاً أن طلب الصعود بعد الهبوط عن طريق البعث والأحياء هو سمة وطبيعة الأمم الفاضلة المتحررة من كافة قيود الإعاقة التي تلازم الأمم الهابطة والتي ليس لها وجود ديني سماوي يرشدها إلى لب التصحيح بعد العثرة والزلة وإن طال أمدهما على مدار التاريخ البشري.
وتتباين الوجهة إلى التجديد وإحياء القيم الحضارية وتختلف من أمة إلى أخرى حسب الإطار الديني أو الأبعاد الثقافية السائدة التي تتوائم مع مضامين هذا التجديد وذلك الأحياء وتتكيف معه.
والمحصلة في نهاية المطاف أن التجديد وإحياء القيم الحضارية صار مطلباً موضوعيا للأمم التي جربت الصعود والرفعة واكتوت بلظى الهبوط والانحطاط الحضاري في شتى مجالات الحياة المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية والعديد من مجالات الحياة العامة المتعددة والمتنوعة.
على أن من المفيد القول أن الأمم الناهضة والتي تعد في مصاف الدول المتقدمة لا تلقي بالاً لإحياء القيم الحضارية بل تمسي قطب الرحى في افساد معيشة الدول والأمم عن طريق الاستقواء بالمال والتقدم العلمي والتكنولوجي في ظل غياب التوازن الدولي وحضور الرغبة الجامحة للسيطرة على العالم واستغلال دولة الضعيفة واحتلالها احتلالا غير مباشر للانتفاع بثرواتها والنموذج الأمريكي ماثل للعيان حيث غدت القيم الحضارية مجرد شعارات ترفع للمزايدة ليس إلا.
والحقيقة التي لا تخطئها ملاحظة الأريب أن التجديد بإحياء القيم الحضارية هي نزعة الأنبياء والمرسلين فهذا البني والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقصر ويحصر رسالته في اتمام مكارم الأخلاق حيث قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” والاخلاق الحميدة ركيزة من ركائز القيم الحضارية ومهمة الأنبياء والرسل احيائها أي استئناف العمل بها من جديد بعد أن يزيلوا ما ران عليها من غبش وما علق بها من نقص في أزمان الجاهلية.
والدين الإسلامي الحنيف بأحكامه ومُثله وتعاليمه وأخلاقياته وقيمة السمحاء على موعد مع التجديد رأس كل مائة عام فليس أدل على ذلك من ذانك الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم “يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة دينها” والمعنى أن العمل بالدين الإٍسلامي وبقيمه السمحاء الحضارية يذبل ويبلى فيأتي رأس كل مائة عام من يستأنف العمل بها من جديد.
لقد ذبلت قيم إسلامية ومبادئ سامية حضارية حتى استأسد الكلب واستصقر العصفور فسادت شريعة الغاب حيث يتنظر العالم الإنساني الكبير المنقذ الحقيقي للأمة الإنسانية باحياء القيم الحضارية واستئناف العمل بها في إطار التجديد المنشود وهي قيم ومبادئ إسلامية وإنسانية تطلبها وتحن إليها بالعمل بها الفطرة البشرية السوية التي تنشد الحرية الرشيدة غير المطلقة والمنضبطة بالشرع الإٍسلامي وبالأعراف والتقاليد المجتمعية الحميدة على قاعدة لا ضرر ولا ضرار وحريتك تنتهي حينما تبدأ حرية الأخرين وأنت حر ولكن لا تضر، هذا فضلاً عن احياء قيمة عظيمة ومبدأ عظيم ألا وهو العدل الذي اضطربت الحياة لقاء غيابه على المستوى الفردي والمستوى الجماعي والدولي والأممي فإذا قام العدل وأرسيت مداميكه بقوة فإن الاضطراب والصراع بين الأفراد على مستوى الأسرة الواحدة وعلى مستوى العشيرة والمجتمع والدولة والعالم سيختفيان من الحياة وسوف نعيش حياة هادئة جميلة خالية من الأكدار والمنغصات ولله در الشاعر حين قال: طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الاقذاء والأكدار.
لقد غاب العدل في أرجاء المعمورة فتسلط الجور والظلم وليس أدل على ذلك من العدوان والاعتداء على بلد الإيمان والحكمة في غير ذنب اقترفه وفي مخالفة ومصادمة واضحة للشريعة الإسلامية ولكل الديانات والشرائع السماوية والأعراف والتقاليد السامية كما أن ذلك العدوان خروج سافر عن أخلاق العرب والمسلمين فالعدل قيمة ومبدأ راشد ينبغي إحياؤه واستئناف العمل فيه كتجديد له إلى ذلك هنالك أيضا مبدأ وقيمة المساواة على مستوى الفرد والجماعة وفي المجتمع المحلي والدولة والعالم الإنساني الكبير فجميعنا أبناء أسرة آدمية وإنسانية كبيرة قال تعالى حاسما لمقياس التفاضل : “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ويقول النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والله لو أن فاطمة بن محمد سرقت لقطعت يدها ويقول أيضا ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه”.
وهنالك العديد من القيم والمبادئ التي ينبغي احياؤها كالتسامح والتصالح ووحدة القلوب والأفئدة والمشاعر والأخوة الإيمانية والأخوة الإنسانية وإدراك حقيقة وحدة المنشأ والمصير أي في ظل الأخوة الإنسانية وهنالك العديد من القيم والمبادئ والتي لا يتسع المقام لذكرها فالأهم هنا أن نعلم أن إحياء القيم والمبادئ الفاضلة والتعاليم والأحكام الشرعية طريق أوحد للتجديد وإلى لقاء متجدد بكم والله المستعان على ما يصفون.

قد يعجبك ايضا