دولة الحقوق المتساوية
د. أحمد صالح النهمي
منذ ثلاثينيات القرن الماضي يناضل اليمنيون من أجل تحقيق بناء دولة الحقوق المتساوية، دولة النظام والقانون وفي سبيل ذلك قدموا التضحيات الكبيرة في مراحل التحول السياسي التي طرأت على الحياة السياسية اليمنية منذ حركة 1948م الدستورية وحتى قيام الثورة الشبابية في 2011م واستكمالها في سبتمبر 2014م.
المشاورات في الكويت إذا لم تفض إلى تحقيق هذا الهدف العادل الذي يلبي تطلعات جماهير الشعب اليمني في بناء الدولة المدنية العادلة والتحول الديمقراطي الذي يصبح فيه الشعب هو صاحب الكلمة الفصل في اختيار حكامه ، فإننا سننتظر اهتزازات وصراعات قادمة تعصف بدولة التقاسم والمحاصصة، ولن تكون الحلول المطروحة سوى مسكنات مؤقتة، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه في مقامنا هذا هو إلى حد يمكن أن تساعد القوى الدولية الراعية للحوار (خليجية ودولية وأممية) في وصول الأطراف اليمنية المتحاورة إلى تحقيق هذا الإنجاز؟
تقول المؤشرات أن هذه القوى تسعى إلى الإبقاء عليها في منزلة بين المنزلتين ، كما تقول المعتزلة، فلا هي حي فترجى، ولا ميت فتنسى، فهي حريصة على عدم انهيار الدولة اليمنية وتلاشي ما تبقى فيها من مؤسسات قائمة على الحد الأدنى من الأداء، ولكنها بالقدر نفسه ستكون حريصة على عدم وضع الأسس الصحيحة التي تؤدي لقيام دولة يمنية ديمقراطية النظام، مستقلة السيادة، وطنية القرار، معتمدة على نفسها في التنمية، تتحقق فيها ملامح الدولة القوية.
يقول الممثل الأممي السابق جمال بنعمر لصحيفة وول ستريت جورنال: “عندما بدأت هذه الحملة (العدوانية على اليمن)، كان الشيء الوحيد المهم “ذهب” دون أن يلاحظه أحد، هو أن اليمنيين كانوا على مقربة من التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يؤسس لتقاسم السلطة مع جميع الأطراف، بما في ذلك الحوثيين. لذلك كان لنا أن نتوقف عند ذلك”. وعلى هذا يبدو أن السعوديين، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لايريدون أن يروا انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً لليمن في الواقع، فالولايات المتحدة تعارض صراحة، الديمقراطية في منطقة الخليج بأكملها، لأنها تسعى من خلال ذلك إلى “استقرار” تدفق النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية
وفي مارس 2015م أوضح مستشار الجيش الأمريكي والناتو أنتوني كوردسمان، من مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية، أن “اليمن له أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة، لما يشكله من استقرار للمملكة العربية السعودية، أوسع من جميع دول الخليج العربية”.وبعبارة أخرى، فإن الحرب على اليمن، لحماية دولة الخليج المارقة الحليفة الرئيسية للغرب، وذلك للحفاظ على تدفق النفط.وأشار كوردسمان، أن “أراضي وجزر اليمن تلعب دوراً حاسماً في حماية ممر عالمي آخر في الطرف الجنوبي الشرقي من البحر الأحمر أو ما يُسمى باب المندب أو (بوابة الدموع)”.ويعد مضيق باب المندب “ممراً بين القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وهو وصلة استراتيجية بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي”.
إن مهمة بناء الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة يجب ألا يتسلم مقاليدها القوى الإقليمية والدولية، بل يجب أن تكون شأنا يمنيا خالصا، وأن نشهد تنازلات من جميع الأطراف لصالح الوطن حرصا على مستقبل الأجيال اليمنية القادمة، وأن تلتفت هذه القوى بأجمعها إلى ما يتعرض له الوطن من قرصنة دولية تسعى إلى السيطرة على ممراته المائية واستقلال قراره السياسي ومن تخلف عن ذلك فليس يمنياً.