المفاوضات في ظل العدوان
اسكندر المريسي
عندما كانت القوى المتدخلة في شأن سوريا تنفذ أعمالها العدوانية في أقصى درجات التصعيد كانت تلجأ إلى الدعوة إلى المفاوضات وقد حصل وان عقدت مجموعة لقاءات جرت تسميتها بجنيف ? وجنيف ? وربما حصل لاحقاً جنيف (?) ولم تسفر عن ذلك أية نتائج لأن حاميها حراميها .
فالذين يتحدثون في الظرف الراهن عن مسمى عقد محادثات أو إجراء مفاوضات ليس إلا مضيعة للوقت ، فإلى أين أوصلت جنيف ?، وجنيف ? سوريا؟، إلى تعقيد الأزمة وإلى اتساع عامل التدخل الخارجي في الشأن الوطني السوري، خاصة وقد تم عقد مفاوضات خلال الفترة السابقة ولم تسفر عنها اية نتائج تذكر فهناك فرق بين الدعوة إلى وقف العمليات الحربية وبدء المحادثات على اعتبار ان تلك المحادثات الوهمية هي نتيجة ترتبت على الأعمال الحربية وليس إدانة العدوان على اعتبار ان وقف العمليات العسكرية لبدإ المفاوضات في الكويت تأكيد واضح على أنها ظاهرة قابلة للاستمرا بدليل انه تم عقد جنيف أثناء العدوان ولم تسفر عنه أية نتيجة إلا من اجل مواصلة الأعمال الحربية وكذلك الحال سيكون في النقاشات المقبلة .
ولو كانت القوى الدولية وخصوصاً موفد الأمم المتحدة إلى بلادنا حريصين على ذلك لما دفعوا باليمن من خلال أطراف الصراع إلى التصعيد وإنشاء حالة الاحتقان السياسي ثم برروا ذلك بالانقلاب على الشرعية ونفذوا العدوان والحرب على اليمن بمعنى أنهم لم يبحثوا عن السلام للبلاد كونهم مصدر الحروب في العالم وبالتالي المراهنة على محادثات الكويت ليست إلا سراباً ووهماً بقدر ما يجب في المرحلة الراهنة إعطاء أولوية لمقاومة ذلك العدوان خيار الضرورة المؤلمة كون العدو يتحدث عن المفاوضات من باب المكر والخديعة ويصعد من غاراته الجوية ودعم مرتزقته في جبهات القتال .
برغم ان عين العقل والصواب ان المعتدين يدعون المعتدى عليهم إلى مفاوضات على نحو اعمال اللصوص عندما يعتدون على حقوق الآخرين ثم يطالبون بالتفاوض حول ما يقومون به من أعمال إجرامية تتنافى مع ابسط مبادئ واسس القانون الدولي وسائر المعاهدات الدولية بما فيها معاهدة ( استفاليا) التي تجرم الأعمال العسكرية ثم معاهدة ( برشلونة) التي لا تجيز التفاوض بين طرف معتدى عليه وطرف يشن العدوان وهو أمر نصت عليه اتفاقية (فيينا) بعدم وجوب المفاوضات في ظل الاعمال العدوانية لجهة الشعوب المستضعفة .
خاصة والمفاوضات السابقة التي جرت لم تكن إلا استغفالاً للجانب اليمني وكأن الرياض من خلال المباحثات المرتقبة تريد ان توجه رسالة للعالم ضمنية غير معلنة تقول من خلالها نحن لم نعتدي عليكم ايها اليمنيين وانما انتم تعتدون على بعضكم البعض وهذا هو الوفد الذي يواجهكم في الكويت وليس وفداً سعودياً وذلك خلط للأوراق ومباعدة بين الحقيقة والواقع وتكريس للعمى السياسي .
ليس هناك أدنى شك بأن مسمى الأمم المتحدة والمبعوث الاممي يعمل مع دول مجلس التعاون الخليجي ممثلة بمملكة نجد والحجاز كخبراء ومختصين بالتفاوض المجرد من ابسط القيم الموضوعية التي تتصل بالأخلاقيات والمُثل العليا لأن مملكة بني سعود تفهم السياسة أسوةً بالأمم المتحدة كدعارة مفتوحة بالنظر الى تاريخها المؤسس فكراً وسلوكاً على العهر السياسي .
وبالتالي لم تكن المفاوضات السابقة كما اشرنا إلا استدراجاً وفخاً للجانب اليمني الذي يمتاز بالمبادئ والأخلاق والسمو والنزاهة والصدق والموضوعية والاعتقاد بأن المجتمع الدولي لا يمتهن الكذب لذلك صدقوا بأن المفاوضات صحيحة ونزيهة وصدقوا بأنها مبدئية وهي لم تكن كذلك اطلاقاً فما حدث في جنيف كان استدراجاً واضحاً وسخرية تامة من الجانب اليمني لأنه يمتاز بالقيم والمبادئ المشار اليها والتي يفتقدها المجتمع الدولي كما يفتقدها كانتونات دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها مملكة داعش والقاعدة التي تمثل ماضياً وحاضراً قاطرة اليهود في الأرض .
فهل ولد الشيخ مع وقف الأعمال العدوانية أم انه مجرد وسيط محايد عندما يدعو لعقد مباحثات ولا يدعو الى وقف العدوان ، حيث تتجلى مهمته في السياقين الداخلي والخارجي الحض على استمرار العدوأن وإعطائه فرصة أطول ثم الكذب والمراوحة في مواعيد اللقاءات دونما تحديد وإنما عبارة عن عملية مطاطية لها بداية وليست لها نهاية وبين البداية والنهاية يكمن الكذب المهني الذي يقود مسيرته ذلك المبعوث فهو يبحث عن ما يغذي الصراع وما يوسع النزاع لكي يتم ترسيخ جذور ذلك الصراع في عموم محافظات الوطن اي اجتماعات او مباحثات لا يمكن الوصول إلى تسوية والحديث على نحو من الشفافية إلا بعد وقف كافة الأعمال الحربية التي تنفذها مملكة آل سعود ضد بلاد اليمن .
لذلك فإن القراءة التأملية للحالة اليمنية الراهنة توجب ان نعي وندرك أنه لا غالب ولا مغلوب عندما نرتبط بالخارج واجندته إلا اليمن فعلى اليمنيين الذين يراهنون على الخارج ان يعودوا الى رشدهم ويتخلوا عن المراهنة على المحاور الأجنبية والارتباط بالقوى الدولية خصوصاً والتدخلات الخارجية بكافة أشكالها وأنواعها لا تخدم البلاد ولا تخدم اليمن ولكن تخدم مصلحة المتدخلين .
فالمملكة وأعوانها تدمر اليمن منذ عام ??م والقوى الأخرى تبحث عن مصالحها ولا تبحث عن مصالح الشعب وفي كلتا الحالتين يتصارعون في اليمن من اجل مصالحهم ولا يمكن في أي حال من الأحوال إخراج الوطن من محنته الراهنة إلا من خلال أبنائه المخلصين اكانوا في الداخل أو الخارج ، لا حل إلا بفك الارتباطات بالقوى الدولية مهما كان شكلها أو نوعها وإصدار قانون وطني يجرم العمالة استناداً لأسس ومنطلقات جديدة توجب حشد الطاقات وتضافر الجهود وبدلاً من أن تكون الرياض او غيرها المشكلة التي لا تمتلك الحل في اليمن والصراع المستمر لماذا لا يكون لليمن وجودها في الحوار داخل الوطن لا في الكويت ، الحوار يكون في صنعاء لا في جنيف انطلاقاً من فهم جديد ومغاير للواقع الراهن والتحديات المحيطة بالوطن .
فلا يجب ان تُهزم اليمن ليس من القوى الدولية فهي اوهن من بيت العنكبوت ولكن من بعض اليمنيين أنفسهم إما بتواطئهم مع القوى الخارجية او بجهلهم بخطر تلك القوى وأطماعها وخفاياها الشريرة والعدوانية في زعزعة أمن واستقرار اليمن ، فلا بديل لهذا الوطن الكبير إلا بوحدته وأمنه واستقراره لكي يرسم مستقبله بعيداً عن التدخلات الخارجية والوصاية الدولية على أساس ان الحوار أمر ممكن بين اليمنيين دون الحاجة إلى وسائط إقليمية ودولية ، لأن تلك الوسائط ثبت عبر التاريخ انها من يؤجج الصراعات الداخلية ومن يعزز التناقضات بين أبناء الوطن الواحد.
خاصة ومن مصلحة القوى الإقليمية والدولية ان يبقى اليمن ضعيفاً ومنقسماً لا يستطيع ان يقوم بدوره الوطني ولا يستطيع أن يحل مشاكله الداخلية حتى لا يشارك بفاعلية في زمام قيادة الأمة العربية المنكوبة ، لأن اليمن هو الاسم الذي تبقى من العرب وهو شاهد عيان على عصر العرب المضطرب وعلى سياسة الارتهان والتبعية التي أضرت بالإسلام والمسلمين .
لذلك فإن المراهنة كل المراهنة بأن لا بديل لليمن إلا اليمن ولا بديل للحوار إلا الحوار ولكن داخل الوطن ومن اجل الوطن لكي يتم انهاء حالتي العدوان والحرب وإنهاء حالة التشظي السياسي والمكايدات والأحقاد والضغائن لما من شأنه ان يشمل الحوار كل أبناء اليمن حتى يتمكن الوطن من إزالة آثار العدوان والخروج إلى بر الأمان بشكل اقوى وأفضل كون هذا البلد وجد ليستمر وينتصر رغم كيد الحاقدين والمعتدين وهو ما يتطلب بالتأكيد حواراً وطنياً داخلياً مسؤولاً وبناءً بدلاً من مفاوضات عبثية أكانت في جنيف أو في الكويت .