رحيل.. نحو لا مكان

محمد المساح

.. على حافات الزمن يولدون، تلدهم أمهاتهم ملفوفين بأقماط مهلهلة صَبَّتها البؤس والعذاب. يضعنهن.. على تخوم الصحارى وشواطئ البحار.
ويعدن يعبرن مع العابرين نحو الداخل في زمن الرحيل.
تقلبهم الأيام في الغروب والشروق أوضاعاً شتى، وقد كتب الرحيل على الجبين.. قدرهم والمصير.
يرحلون في المكان.. ذلك الذي يستحيل عليهم القبض على ملامحه..
يضعون القدم مغامرين.. تأخذهم خشية.. من ابتعاد الأرض وهروب المكان.
عند الميلاد.. وحيث تنكمش الأمكنة على نفسها وتصبح ضيقة كخرم الإبرة، وحيث الرغبات تعبر وراء الجدران طرقاً سرية ومتاهات.. وتوغل في النفس لحظات هباء.. يرميها الزمن من حسابه الأصلي. وحين يعود الهباء احتراقاً سريعاً تتكون الرغبات شوقاً.. تحاول العودة إلى المكان.. وهاجس الفقدان يغلفها.. يجهلون ولا يعرفون الأسباب.. فيرحلون يتابعون الرحيل.. فلا يقترب المكان.. ولا يبتعد الزمان. وهم في غفلة لا تستمر ثواني مبهورين في الألوان.. على الشاشات التليفزيونية.. يُسْحَرون وينسون شبح الظمأ والجوع.. يتوسع الحلم في شرايينهم الخامدة.. ترحل أنفسهم.. إلى تلك الجنات وهم مشدوهين في النظر..
ويغامرون يصعدون زوارق المهربين.. يعبرون طرقاً إلتفافية ليست من طرق هذا العالم في خرائطه.
ويوغلون.. في الرحيل، وقبل الوصول.. لا يصلون ويغرقون.. هناك.. حيث لا شروق.. ولا غروب.. ولا مكان ولا زمان..

قد يعجبك ايضا