ﺷﺎﻫﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺠﺰﺭﺓ ﻣﺴﺘﺒﺄ

ﺃﺏ ﻳﻨﺘﺸﻞ ﺟﺜﺚ أولاده ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ أعمدة ﻫﻨﺠﺮ ﻣﻄﻌﻢ
الثورة/ﺧﺎﻟﺪ ﻣﺴﻌﺪ
ﻛﻞ ﺷﻲء ﻳﺤﺪﺙ ﻫﺰﺓ أو ﻳﻌﺼﻒ ﺑأﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺗﺪﻓﻨﻪ ﺭﻣﺎﻝ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺇﻻ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﺤﺮﺏ..
ﻫﻜﺬﺍ ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ أن ﻧﻨﺴﻰ  ﻣﺠﺰﺭﺓ ﺳﻮﻕ ﻣﺴﺘﺒﺄ ﺑﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﺣﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺗﻜﺒﻬﺎ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﻣﺎﺭﺱ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭﺧﻠﻔﺖ ﻧﺤﻮ 160ﺷﻬﻴﺪاً ﻭﺟﺮﻳﺤﺎً ﻭﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻔﻘﻮﺩﻳﻦ.
ﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺭﺍﺋﺤﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺗملأ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ..
ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻟﺖ ﺃﺭﺽ ﻣﺴﺘﺒﺄ ﺗﻨﺰﻑ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ.
ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍن ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﻮﺭ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍء ﻷﻣﺮﺍء ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺫﺋﺎﺏ ﺍﻟﻜﻬﻮﻑ.
ﻫﻨﺎ ﻻ ﺃﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ أﻭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻻ ﻋﻦ ﻣﺠﺎﺯﺭ ﺍﻟﻌﺪﻭ الإسرائيلي ﻓﻲ ﻏﺰﺓ ﻭﻻ.. ﻭﻻ.. ﻭﻻ..
ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺗﺤﺪﺙ ﻋﻦ جرائم حقيقية ارتكبها ﺁﻝ ﺳﻌﻮﺩ ﻓﻲ ﺷﻌﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍء ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻟﺘﻜﺴﺐ ﺑﺬﻟﻚ أﻛﺒﺮ ﺻﻴﺤﺔ ﻭﺗﺪﺧﻞ ﻭﺑﻼ ﻣﻨﺎﻓﺲ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﻏﻴﻨﻴﺲ ﻓﻲ ﻗﺘﻞ ﺍلأﺑﺮﻳﺎء.
ﻧﻌﻢ ﻫﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺒﺄ، ﺣﻴﺚ ﻣﺴﺮﺡ ﺍﻟﻤﺠﺰﺭﺓ.
ﺍلأﺭﺽ ﺳﻮﺩﺍء.. ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺗﻤﻮﺕ ﻭﺍﻗﻔﺔ ﻛأﺷﺠﺎﺭ..
ﻻ ﺷﻲء ﻫﻨﺎ ﺳﻮى ﻋﻴﻮﻥ  ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ﻭﻣﻼﺑﺴﻬﻢ ﻣﻌﻠﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﻭﺩﻣﺎﺋﻬﻢ تلطخ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.
ﻣﺠﺰﺭﺓ ﻣﺮﻭﻋﺔ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻣﺜيل ﺧﻠﻔﺖ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﻭﺍﻟﻤﺂﺳﻲ، ﺗﻘﺸﻌﺮ ﻟﻬﺎ الأبدان ﻭﺗﻨﻔﻄﺮ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ.
ﺍﻟﻮﺍﻟﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻻﺳﻠﻤﻲ ﻧﻤﻮﺫﺟاً ﻟﻬﺬه ﺍﻟﻤﺂﺳﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﺘﻬﺎ ﻣﺠﺰﺭﺓ ﻣﺴﺘﺒﺄ، ﺑﻌﺪ أن ﻓﻘﺪ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻦ أولاده ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﺰﺭﺓ.
ﻳﺘﺤﺪﺙ لــ”الثورة” ﺍﻟﺤﺎﺝ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﺰﺭﺓ، قائلاً: ﺑﻌﺪ أﻥ ﺳﻤﻌﺖ ﺩﻭﻱ ﺍﻧﻔﺠﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺪ ﻧﺤﻮ 15ﻛﻴﻠﻮ، ﻫﺮﻋﺖ ﻟﻠﻤﻜﺎﻥ لأني ﺃﻋﺮﻑ أﻥ أولادي ﻣﻮﺟﻮﺩوﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻟﺒﻴﻊ ﺍﻟﻘﺎﺕ.. ﻭﺻﻠﺖ إلى ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.. فرأيت ﺍﻟﺠﺜﺚ ﺑﺎﻟﻌﺸﺮﺍﺕ، تملأ ﺍﻟﺮﺻﻴﻒ ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﻻ أﺳﺘﻄﻴﻊ ﻭﺻﻔﻪ.. ﻛﻨﺖ ﻛﻞ ﻫﻤﻲ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ أولادي؟!.
ﻛﻴﻒ ﺃﻋﺮﻑ ﻣﺼﻴﺮﻫﻢ؟.
ﺃﺣﺪﻫﻢ ﺃﺑﻠﻐﻨﻲ أن ﺍﺑﻨﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻓﺎﻳﺰ ﻋﺜﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﻌﻢ  ﺟﺜﺔ ﻫﺎﻣﺪﺓ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﺭﺟﻞ، بينما اخوته ﻟﻢ ﻧﺴﺘﻄﻊ ﺣﻴﻨﻬﺎ أﻥ ﻧﻌﺮف ﻣﺼﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻊ ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻌﺪ أن ﺍﻧﻬﻤﺮﺕ ﻋﻴﻮﻧﻪ ﺑﺎﻟﺪﻣﻮﻉ.
ﺑﻌﺪ الإلحاح ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻤﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺗﺤﺪﺙ ﺑﺼﻮﺕ ﺣﺰﻳﻦ ﻭﻗﻠﺐ ﻣﻔﺠﻮﻉ، ﻭﻓﺆﺍﺩ ﻣﻜﻠﻮﻡ، ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﻑ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ أولاده، ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻮﻝ:
“ﺑﻌﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﻨﺖ ﺣﻴﻨﻬﺎ أﺗﻔﺤﺺ ﺍﻟﺠﺜﺚ ﻟﻜﻨﻲ ﻟﻢ ﺍﺳﺘﻄﻊ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻋﻠﻰ أولادي.. ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪﻱ إﺣﺴﺎﺱ أن أولادي ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﻮﺍﺕ ﻟﺬا ﻭﺍﺻﻠﺖ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺣﺘﻰ ﺷﺎﻫﺪﺕ ﺟﺜﺜﻬﻤﺎ ﻣﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﻫﻨﺠﺮ ﺍﻟﻤﻄﻌﻢ ﻭﻣﻼﺑﺴﻬﻢ ﻫﻲ الأخرى ﻣﻌﻠﻘﺔ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺩﻣﺎؤهم ﺗﻠﻄﺦ ﺍﻟﻤﺒﻨﻰ.
ﻭﻳﻀﻴﻒ ﺍﻟﺤﺎﺝ ﺍﻻﺳﻠﻤﻲ ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻗﻤﻨﺎ ﺑﺠﻤﻊ ﺍﻻﺷﻼء ﻭﻧﻘﻠﻬﺎ ﻟﻠﻘﺮﻳﺔ ﻭﺩﻓﻨﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﻧﻘﻮﻝ: ﺇﻻ ﺣﺴﺒﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻧﻌﻢ ﺍﻟﻮﻛﻴﻞ”.
ﻛﺎﻥ أولاد ﺍﻟﺤﺎﺝ ﺍﻻﺳﻠﻤﻲ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﻕ ﻛﺒﺎﺋﻌﻴﻦ ﻟﻠﻘﺎﺕ ﻣﺜﻠﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﻣﻦ أبناء ﻣﺴﺘﺒﺄ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺔ ﺍﻟﻤأﺳﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﻠﻔﺘﻬﺎ ﻭﺣﺸﻴﺔ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺑﺮﻳﺎء ﻣﻦ أبناء ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺗﺤﺖ ﻓﺘﺎﻭى ﺍﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﻭﻗﻨﻮﺍﺕ ﺍﻟﺘﺰﻭﻳﺮ ﻟﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺇﻻ ﺻﻤﻮﺩاً ﻭﺗﻤﺎﺳﻜاً، ﻭﻟﻦ ﺗﺰﻳﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ سوى المذلة ﻭﺍﻟﺨﺴﺎﺳﺔ.