رحيل الجميل

إبراهيم الحكيم

يا للقدر كيف يباغتنا بلا نظر أو باعث حذر. في جمعة رجب التي نحب فارقنا من نحب ورحل عنا .. بدا النبأ الفاجعة من أول وهلة كمزحة أو كذبة، لكن الموت جاد جدا، لا يمزح أو يكذب !.
عرفت أناسا كثر، لكن قلة قليلة جدا منهم تآلفت روحي مع أرواحهم من دون مقدمات أو مشتركات دراسة أو عمل، أو محفزات حاجة أو مصلحة، أو داعيات لقربى جاه أو زلفى نفوذ، ومنهم جميل محمد الحيمي.
حين كنت أرى شهامته ونخوته في المواقف والمواجب، فرحا أو ترحا كنت أزداد حبا له، وطمأنينة بأن مماتي سيكون أقل وجعا على أهلي، وتشييعي إلى مثواي سيكون على أكمل وجه، من دون تقصير في أي شيء.
لكنه رحل قبلي .. رحل أخي جميل الحيمي .. أخي في النشأة محلا وحيا، وفي الصبا لعبا ولهوا، والشبة رفيقا وخلا، وفي الحياة نديما وأنسا، وفي مواقف شتى سندا وعونا، لا أقدر لها حصرا.
رحل “جميل” قبل أن يشيب أو يستقبل مولوده الخامس، أو يحتفل بزواج أي من أولاده الأربعة، وهو الذي ظل عنوانا بارزا بكل محفل في الحي، ترحا كان أو فرحا، حضورا وعونا، من دون طلب أو ترتيب.
يضج رأسي كما روحي بشريط ذكريات 25 عاما حلوة ومرة، شقية وهنية، إنما لها كلها جمالك يا جميل الخلق والخلق، جمال روحك البهية وسريرتك النقية، ورحابة صدرك، وسماحة نفسك.
كيف ارتفع “ضغط دمك فجأة” وأنت من ظل يروح علينا، يبلسم ضغوط الحياة، بمحياه البشوش وروحه المرحة، وتعليقات حذقة تفكك الهموم وتجلي الكروب، باعتيادنا لها وجعلنا نتعايش معها؟!.
رحيلك يا جميل باغتني .. افزعني كثيرا، وأربكني وبعثرني ..  هزني كزلزال، ولا تزال فاجعتي به تجثم علي .. تخنقني وتحبس أدمعي وتغصني جدا.. ولا أظن وجومي هذا يتلاشى سريعا.
أفتقد صوتك واطلالتك وابتسامتك وحتى عبوسك النادر جدا.. افتقد حضورك الحميم، وطبعك الحليم، صدقك، أمانتك، وفاءك، شورك الحكيم، وهمتك المتوهجة، وكرم عونك .. أفتقد عمري !.
سأتشبث بقناعة أنك رحلت إلى عالم آخر .. مهاجرا أو مغتربا .. وأننا سنلتقي يوما ما .. فالله سيحشرنا مع من نحب، وأني والله قد أحببتك في الله حبا جما.. وذلك مبعث سلواي في رحيلك.
وعزائي لنفسي وأهلك وصحبك ومن عرفك، أنك لم تترك بنفس أحد مثقال ذرة من ألم أو خيبة أمل .. عشت نبيلا ودودا، بشوشا خدوما، وتركت ذكرى جميلة مثلك تماما، تخلدك جميلا يا جميل الحيمي.
alhakeem00@gmail.com

قد يعجبك ايضا