الأسرة/نجلاء الشيباني
تعددت الأمراض الوراثية “الثلاسيميا والانيميا المنجلية” وأمراض أخرى عديدة وأحيانا لا يتم اكتشافها إلا بصعوبة فهي أمراض في الغالب لها علاقة بتكسرات خلايا الدم الحمراء .. وهنا يصبح المتهم الأول في ذلك هو الوراثة.
عادات وتقاليد تفرض على الفتاة أن تتزوج بابن خالها وتفرض على الشاب أن يتزوج من ابنة عمه لكي لا يخرجوا بأنسابهم عن نطاق عائلتهم, ولا يدركون أنها بداية لرحلة شقاء يتحملها الأبوان بإنجاب أطفال غير أصحاء.
الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الفحص الطبي قبل الزواج أمر مهم لتفادي حدوث مشاكل مستقبلية تؤثر بشدة على العلاقة الزوجية ويكون ضحاياها أطفالاً أبرياء, هذه الحقيقة لم يدركها (عبدالسلام) المصاب بمرض وراثي هو وزوجته حتى بعد أن أصبح له أربعة أطفال مصابين بأمراض الدم الوراثية مازالوا يتلقون العلاج ولا يمكنهم العيش كأطفال عاديين وقد توفي له ثلاث أطفال يقول عبدالسلام : “عسى أن يرزقني ربي بطفل صحيح من بين هؤلاء الأطفال ورغم نصح الأطباء وتحذيرهم له مازال عبدالسلام ينجب هو وزوجته أطفالاً مرضى لنستمر المأساة دون توقف.
على العكس تماما قررت ثريا بالاتفاق مع زوجها بأجهاض نفسها أكثر من مرة كونها أدركت بعد فوات الأوان بأنها وزوجها وهو ابن خالتها مصابان بمرض وراثي وهذا المرض يمكن أن ينتقل لطفليهما المنتظر لهذا هما يفضلان البقاء دون أطفال.
عادات وتقاليد
مجتمعنا يرفض هذا الأمر ولا يمكن للشباب بالذات تقبل هذه فكرة أن يتجه لمركز الدم من أجل القيام بفحص طبي قبل الزواج هذا ما قاله عبدالعزيز الجائفي موظف في إحدى الدوائر الحكومية.. وأضاف: إذا كان الأمر يعتبر أمراً فيه صعوبة بالنسبة للشباب فهو يعتبر مستحيلاً للفتاة فمجتمعنا يرفض هذا الأمر ولا أعتقد بأن الفتاة وعائلتها يفكرون باجراء فحص طبي لابنتهم وتكون مصابة فيعلم خطيبها ويرفض الزواج بها وتبقى بعدها دون زواج طوال حياتها لاصابتها بالمرض لهذا فمعظهم الأسر يفضلون عدم القيام بأي فحص طبي قبل الزواج تاركين الأمر للقضاء والقدر.
الطالبة منال القادري كلية الطب تقول: أنا من المؤيدين لأهمية الفحص الطبي قبل الزواج لكي لا يظل الأبوان يدفعان الثمن في رؤية أبنائهم يعانون من أمراض لا تتحملها أجسامهم الصغيرة.. تتمنى منال أن يعي المجتمع ضرورة الفحص الطبي لتفادي المخاطر الوراثية وأن يعي الشباب خاصة الجامعين أهمية وضرورة هذا الفحص فهم من يعول عليهم تغيير المجتمع للأفضل ولا أحد منا يريد أن يكون لديه طفل مصاب أو معاق لا قدر الله.
أمراض وراثية
بحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية وجد أن 5% من أطفال العالم مصابون بأمراض وراثية أو أمراض جينية بدرجات مختلفة وأحيانا بشكل ظاهر للعيان وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن الأمراض الوراثية تسبب 25% من وفيات الأطفال دون السنة على مستوى العالم وتسبب 23% من وفيات الأطفال دون الخمس سنوات عالميا.
وبهذا الصدد يؤكد الدكتور عبدالله الذبحاني طبيب أطفال أن الأمراض الوراثية لا يمكن اكتشافها بسهولة خاصة عند الأطفال بالإضافة إلى أن بعض الأمراض لا تظهر إلا بعد أن يتجاوز الطفل عامه الأول, منها الانيميا المنجلية والثلاسيميا.. مضيفاً: تنتقل هذه الأمراض عبر الوراثة إلى الأطفال وهي أمراض في الغالب لها علاقة بتكسر خلايا الدم الحمراء وتؤدي إلى ضخامة الجمجمة مثلاً أو تضخم الكبد والطحال بطريقة يصبح معها الطفل في حاجة مستمرة إلى نقل الدم الامر الذي قد يؤدي إلى أمراض أخرى مع استمرار نقل الدم مثل التهاب الكبد الوبائي وزيادة نسبة الحديد في الجسم.
إجراءات مبسطة
فيما تؤكد من جهتها الدكتورة نادية البحيري/ أخصائية مختبرات طبية في البنك المركزي الوطني لمختبرات الصحة العامة بأن فحص ما قبل الزواج خاصة إذا كان الطرفان حاملين للمرض أو أحدهما حامل للمرض والآخر مصاب هو الحل لمشاكل عديدة بعد الزواج.. فالعادات والتقاليد في بلادنا التي توجب من البعض الزواج من ابن العم أو ابن الخال والتي يكون نتيجتها غالباً طفلاً مصاباً بالأمراض الوراثية مدى الحياة وذلك بنقل دم مستمر للطفل بعناية بالإضافة إلى جهاز الديغسرال الذي ركب في الطفل لمدة خمسة أيام, وتصيف قائلة: هناك قصص عديدة أراها ومعاناة مريرة لا تنتهي من قبل جميع المصابين والمصابات بالثلاسيميا والأنيميا المنجلية عندما يأتي للمختبر أشخاص يموتون وأعمارهم لا تتجاوز الـ30 عاماً وتذكر الدكتورة البحيري بأن هناك مراكز للفحص الطبي قبل الزواج منتشرة في الحديدة وحجة والمحويت وغيرها من المحافظات وبالنسبة للأمانة فإن هناك بنك الدم بمستشفى الثورة والمختبر الوطني المركزي وبنك الدم في مستشفى السبعين.
شخص واحد يكفي
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن فحص ما قبل الزواج لتجنب الأمراض الوراثية هنا يبرز السؤال عن أهمية هذا الفحص الدكتور/ أحمد شمسان المقرمي رئيس الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي بدوره يجيب قائلاً: بالطبع هناك أنواع كثيرة من الأمراض الوراثية التي تنقل من الأبوين للأبناء ولا يتم معرفة ذلك إلا بمعرفة الفحص قبل الزواج ويجب أن يكون أحد الطرفين سليماً لينجبا الأطفالاً أصحاء بغض النظر عن الطرف الآخر وإن كان مريضاً.
منوها بأن الكثير من المقدمين على الزواج يتواصلون مع الجمعية ويحضرون للاستفسار عن كيفية اتمام الفحص والأمراض التي تفحص لافتا بأنهم يقومون بتقديم النصح للأشخاص إذا تبين إصابتهم بالأمراض الوراثية وذلك بالجلوس معهم وشرح مخاطر هذا الزواج وتعريفهم بالمرض الذي ينتظر أطفالهم والمعاناة الشديدة للطفل ولأبويه.
وتحدث الدكتور شمسان عن أهداف الجمعية بالقول: إن أهم أهداف الجمعية اليمنية لمرضى الثلاسيميا والدم الوراثي تكمن في العناية بالمرض والعمل على تخفيف معاناتهم وتعريف المواطنين بالمرضى والمعاناة وكيفية الوقاية منه والوقاية من ولادة أطفال جدد وتحديد النسل لحاملي المرض من الآباء والأمهات وفحص ما قبل الزواج للأزواج الجدد باستصدار قانون ملزم للفحص قبل الزواج والعمل على إنشاء مراكز متخصصة لمثل هذه الأمراض في اليمن أسوة ببقية دول العالم.
ثقافة المسودة الطبية
استاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور عادل الشرجبي أوضح أن الغياب التام لثقافة المسودة الطبية ووجود أمراض فتاكة كالإيدز والكبد البائي واستمرار زواج الأقارب يعد مشابهاً لتسونامي صامت يهدد حياة أجيالنا لذا ينبغي على الدولة أن تصدر قانون يلزم الطرفين الراغبين بالزواج بنص على أجراء فحص طبي شامل حتى لا تستمر فكرة إنجاب أطفال معاقين أو حاملين لأمراض لا ترحم وتنتقل منهم إلى جيل آخر.
المصلحة العامة
الفحص الطبي ليس واجبا من جهة الشرع لكنه مستحب حتى لا يحدث أمراض من الممكن تفاديه وهذا لمصلحة الطرفين فقد حث الإسلام على حفظ الصحة وعلى حماية الجنين ووقايته من الكثير من الأمراض ولهذا أجمع الفقاء على حرمة قتل الجنين بعد نفخ الروح فيه لأنه بعد ذلك يصبح إنسانا ونفسا لها احترامها وجريمة لا يجوز الأقدام عليها إلا في حالة الضرورة القصوى.