عادل بشر
لم تكن الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة منتصف الليل، إلا أن المساء بدا كهلا وكذلك الشاب العريس القابع مع فتاة في غرفة موصود بابها، فيما يمتلئ المنزل بالنسوة اللاتي بُحت أصواتهن في ترديد الزغاريد والأغاني منذ بضعة ايام، وفي المقابل يتزاحم العشرات من الرجال في “الديوان” المُلحق بالمنزل يتوسطهم فرقة فنية خاصة بالاعراس، وبين هؤلاء جميعاً شيخ مُسن وامرأة عبث الزمن بسواد شعر رأسها ولطخه ببُقع من اللون الابيض متفرقة هنا وهناك كعامل طلاء لايزال حديث العهد بالمهنة.
الجميع ينتظرون اشارة “النصر” من الشاب الذي يسكن غُرفة الطابق العلوي، وتلك الاشارة عبارة عن أعيرة نارية يطلقها العريس في الهواء بعد ان يكون قد نجح في اداء المهمة ليلة الدخلة، كما جرت العادة في كثير من المناطق اليمنية، إلا أن الوقت المسموح لاطلاق الاشارة ، فيما يخص العريس الذي نحن بصدد الحديث عنه، كان قد انتهى وتبعه الوقت الاضافي ليبدأ القلق يدب لدى الجميع، ومع كل خطوة لعقارب الساعة المصلوبة عرض الجدار كانت الف علامة استفهام ترتسم حول الغرفة المغلقة وما يحدث داخلها؟.
لم تستطع الام الصبر اكثر وهي تشاهد حركات الغمز وتسمع عبارات السخرية من العريس الذي طال وقته اكثر من اللازم، وفيما كان قيم المسجد يتلو عبر مكبرات الصوت قائمة الادعية التي تسبق اذان الفجر بنحو ساعة، اصرت الام على الصعود الى الغرفة المغلقة والاطمئنان عما يجري فيها وهل مازال العريسان يتنفسون ام ان ازمة قلبية اصابت الاثنين في وقت واحد.
عندما وصلت الام الى بوابة الغرفة وجدت شقيقة زوجها تجلس خارج الغرفة وكانت بين الام وكنتها عداوة قديمة تأصلت مع اصرار شقيقة الاب على تزويج ابنتها بابن اخيها الذي رفضت والدته هذا الامر واختارت له فتاة اخرى تقبع الان معه في غرفة الاحلام .
بمجرد ان رأت الام كنتها امام باب الغرفة حتى اشتعل بركان الغضب في صدرها معززاً بالقلق على الوضع الحاصل داخل الغرفة والخوف من “الفضيحة” فقامت بالصراخ فيها ومحاولة طردها من المنزل، غير ان الكنة رفضت التزحزح من مكانها واصرت على البقاء حتى تطمئن على ابن اخيها، لتدور معركة بين الام والكنة صاحبها صراخ وزعيق وخصوصا في مرحلة شد الشعر.
هذه المعركة دفعت بالشاب العريس الى فتح باب غرفته وفض الاشتباك ولكن وضع الشاب لم يكن بأفضل من الخارجات للتو من معركة حامية الوطيس وانفجر من البكاء بمجرد ان سألته والدته عن البشارة وسبب التأخير كل هذا الوقت، فعرفت الام ان العريس فشل في أداء المهمة وهذا يعني، في نظر البعض، فضيحة بجلاجل للاسرة بأكملها، وبدلاً من معالجة الأمر بهدوء، كما كان يستوجب على الام القيام بذلك، كأن تقوم بتهدئة ابنها العريس وإقناعه بان هذا الامر لا يعتبر فشلاً ولا خسارة وانما نتيجة لحالة التوتر والضغط التي يكون عليها البعض ليلة الدخلة وبإمكانه اطلاق اشارة النصر التي ينتظرها الناس، بحسب العادات والتقاليد، ومن ثم الذهاب الى ممارسة حياته طبيعياً والشيء الذي لم يقدر له الليلة باستطاعته القيام به غداً بدون اي اشكالية، بدلاً من هذا كله انقادت الام وراء الاوهام والشكوك واتهمت شقيقة زوجها بالوقوف وراء فشل ابنها ليلة الدخلة، وقالت ان عمة العريس مارست السحر والشعوذة واحبطت مهمته، مستندة في ذلك الى بقاء العمة خلف باب الغرفة منذ اغلاقه على الشاب وعروسته وحتى مطلع الفجر. هذه الاتهامات عمقت الشكوك لدى العريس المُحبط واعادت الى ذاكرته شريطاً مليئاً بالقصص والحكايات التي سجلتها والدته في رأسه منذ كان طفلا حول عمته وعلاقتها بالسحرة والمشعوذين وكيف كانت تستخدمها للانتقام من اي خصم لها حتى اصبح الجميع يهابها ويعمل لها ألف حساب خوفاً من مس قد يصيبه او لوث قد يُعكر صفو حياته.
لم يكن الشاب بحاجة إلى دليل أكثر مما حدث له في تلك الليلة فقرر الانتقام من العمة وبدلا من اطلاق اشارة النصر نحو السماء اخذ المسدس ووجه فوهته صوب شقيقة والده وافرغ ما في جوفه من أعيرة نارية في صدر عمته لينهي بذلك حياتها وحياته.
وعندما أشرقت شمس الصباح كان العريس في قبضة مركز الشرطة مع عروسته التي لم يمض معها سوى سويعات قليلة امتلأت بالقلق، وكذلك والدته تم اقتيادها إلى السجن وفي اليوم التالي أفرجت الشرطة عن الزوجة والأم بعد اعتراف الشاب انه من ارتكب الجريمة، مبرراً ذلك بان المجني عليها كانت تمارس السحر وتستحق ما حصل لها.