للشيخ فيصل الأتات
لقد برع العلماء في سائر الفنون والعلوم حتى وطنوا مهاد المجد في ذلك وآثارهم تدل على شأنهم وعلوهم وعزيمتهم في ذلك جلية واضحة ومن أهم البحوث التي تعرضوا لها والتي لها ارتباط وثيق في موضوع الرؤيا والمنام قضية الروح لهذا كانت البحوث العلمانية حول الروح الإنسانية محط اختلافهم منذ زمن بعيد قبل بزوغ نور الإسلام وبعده فتفرقوا بأقوالهم شيعاً وبآرائهم فرقا ومذاهب وما زال عناء البحث والتنقيب في جهة الروح قائماً لا زال عناء البحث والتنقيب في جهة الروح قائما لا زوال له فمنهم من وصل إلى أن الروح وماهيته جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان ورأى آخرون أن الروح هم جسم هوائي على بنية حيوانية في كل جزء منه حياة وقيل أنه عرض وقبل أنه جوهر وقيل إن الإنسان هو الروح الذي في القلب وقيل أنه جزء لا يتجزأ من الدماغ وقيل أنه الدم وغير ذلك من عشرات الآراء والأقوال والغالب من علماء المسلمين اعتقد أن الروح غير البدن وأجزائه، بل الروح والجسد من فعل الله تعالى والروح بأمره يتعلق بالبدن وعند انتهاء أمدها تفارقه من غير عودة إليه إلا في الرجعة لذلك وبعد جهد علمي كبير ظهرت أدلة المتنازعين حول ماهية الروح فبعضهم كانت تدرك أدلته بالعقل وتقبله النفس وترتاح له الروح والبعض الآخر يرفضه الوجدان وتشمئز منه الأفئدة التي في الصدور لهذا كان القرآن الكريم وأحاديث رسول الله “ص”، ومرويات أهل العصمة “ع” الدليل القاطع والبرهان الساطع ونعم الحكم الله لحل النزاع القائم بين العلماء والفلاسفة وغيرهم ولما رأينا أن هناك ارتباطا وثيقا وولاءً جوهرياً ومتعلقاً حقيقاً بين الروح وما تراه في الرؤيا والأحلام عزمنا على تفصيل البحث عن الروح فكان بعون الله تعالى كالتالي:
لما كانت الروح الإنسانية من عالم الملكوت وقد خلقها الله تعالى خلقا تحتاج في تصرفها وأعمالها إلى البدن فتعلقت به كرهاً فلما أنست به ونسيت ما كانت عليه سابقا صعُبت عليها مفارقته ففارقته كُرهاً بأمر الله عز وجل لذا فإن الإمام الصادق “ع” قال: إن روح آدم “ع” لما أمرت أن تدخل فيه كرهته فأمرها أن تدخل كُرها وتخرج كُرهاً.
ومحمد بن مسلم يسأل الإمام الباقر “ع” عن قول الله عزوجل “ونفخت فيه من روحي” كيف هذا النفخ؟ فقال: ان الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحاً لأنه اشتق اسمه من الريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق اسمه من الريح وإنما أخرجه على لفظه الريح لأن الروح متجانس مع الريح وإنما أضافة “أي الله تعالى” إلى نفسه لأنه اصطفاء على سائر الأرواح كما اصطفى بيتا من البيوت فقال بيتي وقال لرسول من الرسل خليلي وأشباه ذلك وكل ذلك مخلوق مصنوع مربوب مدبر.
تطلق الروح على معاني
وتطلق الروح على النفس الإنسانية كما ورد ذلك في القرآن الكريم ” فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين” وتطلق على ملك من الملائكة وهو أعظمهم قدراً وقوة وهو المراد من قوله تعالى “يوم يقوم الروح والملائكة صفا” ويراد من الروح القرآن الكريم كما في قوله تعالى “وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا” ويراد من الروح روح القدس وهي غير الروح الإنسانية وهي التي أبد الله بها بعض أنبياته وأوليائه وذلك في قوله تعالى “وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس” وفي ذلك قال عمار الساباطي قلت لأبي عبدالله “الصادق “ع” بما تعملون إذا حكمتم فقال “ع” بحكم الله وحكم داوود فإذا ورد علينا شيء ليس عندنا تلقائا به روح القدس وقال أيضا “ع” في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح روح البدن وروح القدس وروح القوة وروح الشهوة وروح الإيمان.
ويسألونك عن الروح
أما تفسير الآية الكريمة “ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” فقد اختلف العلماء عن الروح المسؤول عنه في هذه الآية على أقوال أحدها: أنهم سألوه “ص” عن الروح الذي في بدن الإنسان ما هو فلم يجبهم على ذلك، وكان السائل جماعة من اليهود هذا ما قاله أبن مسعود وعبدالله أبن عباس وجماعة واختاره الجبائي أما عدول النبي “ص” عن جوابهم فلعلمه بأن ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في الدين ولأنهم كانوا بسؤالهم هذا متعنتين لا معتقدين ولا مستفيدين فلو صدر الجواب لازدادوا عناداً وقال في تفسير مجمع البيان إن اليهود قالت لقريش سلوا محمداً “ص” عن الروح فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم.
وثاني هذه الأقوال:
أنهم سألوه “ص” عن الروح أهي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك؟ فقال سبحانه “قل الروح من أمر ربي” أي من فعله وخلقه وكان هذا الجواب عما سألوه عنه بعينه وعلى هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام البدن.
ثالثها:
إن المشركين سألوه “ص” عن الروح الذي هو القرآن الكريم كيف يلقاك به الملك؟ وكيف صار معجزا؟ وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفاً لأنواع كلامنا من الخطب والأشعار وقد سمى الله سبحانه القرآن روحاً في قوله تعالى “وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا” فقال تعالى : قل يا محمد إن الروح الذي القرآن من أمر ربي أي من فعل ربي أنزله علي دلالة على نبوتي وليس من فعل المخلوقين ولا مما يدخل في إمكانهم على هذا فقد وقع الجواب أيضاً موقعه. وقال بعض العلماء إن الله خلق الروح من خمسة أشياء: 1- من جوهر النور، 2- والطيب، 3- والبقاء، 4- والحياة 5- والعلم ألا ترى أنه ما دام في الجسد كان نورانيا يبصر بالعينين ويسمع بالأذنين ويكون طيباً فإذا خرج من الجسد نتن البدن ويكون باقياً فإذا فارقه الروح بلى وفني ويكون حيا وبخروجه يصير ميتاً ويكون متصفاً بالعلم فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا وبالجملة مهما اختلفت التعاريف والإصطلاحات بالنسبة للروح فهي وسائر الأرواح محدثة ومخلوقة أما أعضاء الجسد والبدن كالعظم والعصب والوتر والرباط والشحم واللحم وأمثالها فليست هي الروح ولم يقل أحد من العقلاء بأنها الروح الإنسانية وعلى هذا فإن الروح مغاير للبدن .
من كتابه حقيقة الروح والرؤيا
Prev Post