طلب الكيان الصهيوني مساعدة موسكو في الضغط على دمشق لاستعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي الذي أعدمته السلطات السورية عام 1962 إيلي كوهين، فمن هو إيلي كوهين، وما هو مصير جثته بعد الإعدام.
لم تَعرِف قصص الجاسوسية عبر التاريخ أخذاً وَرَداً وتأليفاً وتكذيباً كما عرفت قصة الجاسوس الإسرائيلي في سوريا إيلي كوهين، فقد تعددت الروايات من سوريا إلى مصر وإسرائيل، وكل رواية ناقضت سابقتها، وأبرز ما كان غامضاً في كل القصص هو مكان دفن العميل الإسرائيلي الذي طالبت إسرائيل باسترجاع رفاته مراراً، ولكن دمشق كانت ترفض كل مرة، وتعيد اليوم إسرائيل المطالبة به ولكن من بوابة الوساطة الروسية.فقد توجّه الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين مؤخراً إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين بطلب المساعدة على نقل رفات كوهين إلى إسرائيل، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت”، حيث ادعت الصحيفة أن بوتين وعد ريفلين ببحث الموضوع مع السلطات السورية.
قصة أشهر جاسوس إسرائيلي في بلاد العرب
صدر عدد كبير من الكتب ونشرت مقالات كثيرة ادعت كلها أنها كشفت قصة حياة كوهين وتفاصيل عمله الجاسوسي، ومنها كتب إسرائيلية أهمها؛ كتاب “وحيد في دمشق” للكاتب صموئيل شيغف، وكتاب “الجاسوس الإسرائيلي وحرب الأيام الستة”، للكاتب زفيل دوي جيرولد بالينغر، وكتاب “جهاز المخابرات الإسرائيلية السرّي” من تأليف دينيس إيزنبرغ وإيلي لاندو وأوري دان، بالإضافة إلى العديد من الكتب لمؤلفين سوريين وعرب، ومقالات منشورة عنه في الصحافة، إلا أن أهم هذه الكتب التي صدرت في سوريا؛ كتاب للواء المتقاعد صلاح الضللي الذي كان رئيس المحكمة العسكرية التي حاكمت كوهين، ولمنذر موصللي مدير مكتب الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ، وهذين الأخيرين قدما رواية مختلفة عما تم تقديمه سابقاً، ويعد الموصللي الوحيد الذي حدد مكان دفن كوهين، وقال إن الدفن تم بعد الإعدام في 18 أيار/مايو 1965في منطقة المزة، وأن القبر لم يعد موجوداً بسبب ظهور مباني وشوارع في المنطقة.
وتجمع الروايات المختلفة على أصل كوهين الذي ولد في الاسكندرية بمصر وعمل بشكل سري مع جهاز “أمان” مخابرات الجيش الإسرائيلي، واعتقل في مصر لنشاطاته، لكن لم تتم إدانته، وانتقل إلى إسرائيل في العام 1957 وعمل كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ثم محاسباً في شركة خاصة، وكان حينها يرفض طلباتٍ للعمل مع “أمان”، وتزوج من فتاة يهودية من أصل عراقي تدعى ناديا، وعندما تم طرده من العمل بشكل مفاجئ، اضطر عندها للقبول بعروض “أمان”، وكان من المخطط أن يعمل كجاسوس في مصر، لكن الخطط تغيرت وبدأ إعدادُ كوهين للعمل كجاسوس في سوريا، حيث تم تعليمه اللهجة السورية والتاريخ السوري ومبادئ الدين الإسلامي.
انتقل كوهين بعدها إلى الأرجنتين حيث أعدت له الاستخبارات الإسرائيلية قصة ليبني عليها شخصيته الجديدة، حيث حمل اسم “كامل أمين ثابت”، الذي هاجرت عائلته من سوريا إلى بيروت ثم إلى الأرجنتين حيث توفي والده وترك له ثروة أسس من خلالها شركة سياحية، وساعدته في التقرب من سوريين في الأرجنتين، وعندما تم إعداده بشكل جيد، انتقل إلى إيطاليا وهناك تعرف على عميل للمخابرات المركزية الأميركية يدعى “ماجد شيخ الأرض”، وترافقا في رحلة بحرية إلى بيروت، ثم إلى دمشق، حيث ساعد ماجد كوهين في إدخال معدات التواصل والتشفير في سيارته الخاصة إلى دمشق، وذلك في 10-01-1962، حيث استأجر شقة فخمة في حي أبو رمانة الراقي في دمشق، وبدأ يستخدم العلاقات التي نسجها في الأرجنتين ليبني شبكة علاقات في دمشق، وتقول مختلف المصادر أنه تمكن من التعرف على عدد من السياسيين والضباط أبرزهم “معذى زهر الدين” أحد أقارب وزير الدفاع حينها، وتحكي بعض الروايات أنه كان مقرباً من صلاح الضللي رئيس المحكمة التي حاكمته وأعدمته، وقائد لواء المظلات سليم حاطوم الذي كان عضواً في المحكمة أيضاً، وهو ما نفاه الضللي في كتابه.
تحكي المصادر الإسرائيلية وبعض المصادر العربية أن كوهين صعد سريعاً في علاقاته داخل دمشق من خلال المال والحفلات التي كان يقيمها، وأنها مكّنته من إيصال معلومات مهمة إلى الجانب الإسرائيلي عن القدرات العسكرية السورية والتحركات وطبيعة الخطط العسكرية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالحدود مع فلسطين المحتلة، ويقول كتاب “جهاز المخابرات الإسرائيلية السرّي”، عن دور كوهين في النكسة عام 1967، “وإنّما أصبح النصر الساحق في مرتفعات الجولان أمراً ممكناً، بفضل البرقيات التي كان إيلي كوهين يبثّها من دمشق، فقد عيّن بدقةٍ تامّةٍ كلَّ موقعٍ لهم”، إلا أن منذر موصللي في كتابه ينفي أن يكون كوهين قد زود إسرائيل بمعلومات مهمة، بل وينفي أن يكون قريباً من السلطة في سوريا، وحزب البعث تحديداً، بالصورة التي رسمتها الكتب الإسرائيلية التي تناولته، كما يروي اللواء صلاح الضللي في كتابه أن كوهين كان بخيلاً ولم يغدق الأموال على شخصيات سورية ليشتريها، وأن كل ما ذكر في هذا المجال هو رواية إسرائيلية لإظهار قدرة إسرائيل على اختراق المجتمعات العربية بالمال، وهي غير صحيحة إطلاقاً.
من كشف أشهر جواسيس العصر؟ وكيف تم إعدامه؟
اللغط حول كوهين امتد أيضاً إلى طريقة كشفه، فهناك رواية تقول أن الجاسوس المصري رأفت الهجان تعرّف إليه في إسرائيل وأخبر المخابرات المصرية بذلك، والتي نقلت المعلومات إلى المخابرات السورية، ولكنها رواية لا تملك دليلاً قوياً كما نفتها المصادر السورية، إلا أن رواية أقوى تتحدث عن تعرّف أحد المصورين المصريين على صورته المنشورة في إحدى الصحف خلال زيارة له إلى القنيطرة مع الرئيس السوري حينها أمين الحافظ والفريق المصري علي علي عامر قائد الجيوش العربية والعقيد صلاح جديد، وأبلغت المخابرات المصرية نظيرتها السورية التي لم تحقق في الأمر حينها.
إلا أن الرواية الثابتة والتي ذكرت في أكثر من مرجع هي التي انطلقت من دور للسفارة الهندية في دمشق بكشف كوهين، حيث كان موظفو السفارة يعانون من التشويش على البث الذي يتواصلون فيه مع بلدهم، فأخبروا الاستخبارات السورية التي أرسلت بدورها وحدة من سلاح الإشارة وتتبعوا البث، لكنهم لم يقدروا على رصد مكان الإشارة، وحددوا البناء الذي تصدر منه فقط، وعملوا على المراقبة، حتى تمكنوا من تحديد الوقت الذي كان كوهين يرسل فيه الرسائل المشفرة، فتم قطع الكهرباء عن الشقق تباعاً حتى يتأكدوا من الشقة التي يصدر منها البث، وعند تحديدها اقتحم 8 من رجال الاستخبارات السورية شقته بعد منتصف الليل بقيادة أحمد سويداني رئيس شعبة الاستخبارات السورية، وتم القبض عليه وهو بقرب جهاز الإرسال، ولم يتمكن من تجرع السم الذي يحمله في خاتمه، وحين نقل كوهين إلى السجن التقاه الرئيس أمين الحافظ وبدقيقة واحدة اعترف كوهين أمامه بأنه جاسوس إسرائيلي، وقد تمت محاكمة كوهين أمام المحكمة العسكرية، وبثت مقاطع من محاكمته على التلفزيون الرسمي.