النجود
لحظة يازمن
محمد المساح
كيف استقرت هذه التربة فوق تلك النجود الصخرية وحافظت على بقائها متماسكة صلبة؟ تتدرج تنازلياً حتى تصل إلى الحواف الصخرية المنحدرة نحو الفجاج والتي تستقر في قيعانها بعض التربة والتي تلتف وتنحني صعوداً من جديد تتدرج صعوداً لتتصل بالأرض الغبراء فوق النجود شتاءً، أما الصيف فتتحول مساحات خضراء.
على تلك النجود والهضاب على مشارف الفجاج «الهياج» تأخذ البيوت أماكنها دوراً وصبول.
تتحرك الحياة في تلك القرى المبثوثة على رؤوس الجبال، وقد احتفط ساكنوها بتلك التربة وبنوا لها المدرجات وزرعوا، وعاشوا.. ومازلوا يتكاثرون.
وتسأل النفس المتسائلة كيف تتابعت الأجيال في هذه النجود الحجرية تتناثر بين الأحجار والصخور والأنكاب في المنحدرات.. على ضفاف السوائل والأودية وكيف ستتابع الأجيال المتوالدة بكثافة الحياة على تلك الرقع الزراعية المحدودة سؤال يتبعه سؤال .. تتوالد الاسئلة وتترابط مع بعضها تشكل شبكة عنكبوت كيف قاومت تلك التربة حرارة الشمس المتعامدة عليها عبر القرون والسنين؟ كيف تغلبت على عوامل التعرية وعواصف الزمن؟ جبال ونجود.. وصعود وهبوط الإنسان هنا ينمو في وسط نجدى صخري تتبقع بعض سطوحه ومنحدراته بالتربة، كالبقع البيضاء في جسد ثور مبرقش.
لا ثلج يكسي قمم الجبال حتى يذوب ويصنع مساقط ومنازل للمياه! ولا تتفجر الجبال والنجود عن عيون ماء..! هي تلك الجبال والهضاب والانكاب على ماء السماء تبتهل وعلى جريانه وتدفقه وغزارته تعيش وتزرع تأكل وتعيش وتتوالد منذ القدم، منذ الأن، منذ سالف الأوان، منذ العصر الحجري تحيط بالإنسان جبال ونجود يتسلقها ويعصدها هابطاً نازلاً هي تلك البيئة التي تعود بصره عليها كان الجبال هنا المحيطة المبدورة الأفقية رأسيا وعرضياً تتخد في التأمل العميق نحوذراها أنها كائنات حية.. تتبادل مواقعها ليلاً وتعود إلى أماكنها نهاراً وأحيانا تقعي صامتة كصمت وجودها بفعل التغيرات الضوئية والغمام والسحب وتجد السماء الصافية ليلاً من الغيوم.. وبروز عنا قيد النجوم كأن بها ستهبط على الفور إلى قاع تلك النجود والجبال والأنكاب.