التحولات الإنسانية

بين البعد الحضاري والنزعة العدوانية
أحمد يحيى الديلمي

يبدو أن محدودية عقل الإنسان سبب عجزه وعدم قدرته على رسم ملامح الآتي من زمنه لذلك ينزلق إلى مجاهل اللاّمحدود .

من جانب يبالغ في الطرح ووضع خطط المستقبل .
من جانب آخر يملأ الدنيا ضجيجاً للتباهي بأي اكتشاف أو فكرة يهتدي إليها .
هنا تبرز أكثر محدودية العقل البشري ، الإشكالية لا تتصل بالأفكار الإنسانية ولا علاقة لها بالاكتشافات العلمية بقدر ما ترتبط بالإنسان ذاته ، تبدأ بالمكتشف أو صاحب النظرية وتنتهي بتفكير وطموح الدولة التي ينتمي إليها . وهي مصدر الخطر الداهم على النظريات وآليات التغيير الحضارية كونها تتعاطى معها بأفق نفعي يقتضي فرض وصاية خاصة توظف المضامين لخدمة المصالح الذاتية وفرض قوة الحضور في الواقع الحياتي بأي وسيلة مهما تدنت وتعارضت مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية .
الانحياز إلى المصلحة  الذاتية بأفقها الضيق قاد إلى تعاظم الأنا ، عندها يتسع جدار الخطيئة ويحتم على  الإنسان الاستعانة بعقول محنطة مسلوبة الإرادة تتصرف بغرور وغطرسة واستكبار تفرط التعاطي مع المصالح الذاتية بنوع من القداسة ونقلها إلى مصاف المهام الإنسانية لإجبار البشر على تجسيد المضمون فكراً وسلوكاً وممارسة.
من هنا ندرك أن الإفراط في الأنا هو مصدر الخطر والضرر على الإنسان في كل مراحل حياته .
فالأنا إذا كبرت تسببت في انكماش الذات الحقيقية في نطاق الأشخاص أو الدول وأخذت النزعة العدوانية موضع متقدم في الاهتمامات الذاتية والعامة وهذا هو أهم أسباب الإيغال في التوحش والإفراط في استخدام القوة بأبعادها التدميرية .
كانت المقدمة التي أسلفت ضرورية لبيان حالات الاضطراب والمعايير المزدوجة لدى الدول الكبرى في تعاطيها مع جبهات القتال المفتوحة في اليمن وعدد من الدول العربية .
طالما أن المصالح مضمونة ومشتريات الأسلحة في تصاعد مستمر يتم التعاطي مع ما يجري بأساليب انتهازية ومشاعر ملوثة لا تهتم بالمجازر البشعة ولا يهتز لها رمش وأن شاهدت الأجسام  المحترقة والأشلاء المتناثرة حتى أعمال السحل  والتفجير والذبح والتمثيل بالجثث من قبل الجماعات التي تمت صناعتها من قبل الإنسان المنحرف ذاته تصبح مهاماً إنسانية بغض النظر عن انحراف الجماعات التي تقدم عليها طالما أنها ضمن مسلسل الإبادة وجرائم الحرب البشعة الموجهة إلى طرف أو شعب بذاته .
رغم بشاعة ووحشية الجرائم لم نسمع أي إحساس بوخز الضمير أو أي نوع من أنواع التأنيب بما يؤكد من قبل أي الكثيرين أصحاب شعارات الحرية في هذا الكون بما يؤكد أن الخطط واضحة وأعدت سلفاً وهدفها فرض حالة الاحتباس المريع في دهاليز الخوف وتعزيز فكرة  الاستسلام  والخنوع للأقوياء وأن تصبح الحروب المدمرة مجرد وسيلة لاستهداف الذاكرة البشرية وطمس المضامين التي علقت برفوفها عن الأبعاد الحضارية لثقافة المحبة والتعايش والسلام . ما يثير الدهشة أن ما يسمى بدول التحالف المشبوه تبنت ترجمة رغبات الدول الممسكة بتلابيب القرار الدولي وهي في قائمة الدول المستهدفة وعما قريب ستجد أنها عادت إلى فراغات الزمن المخيف دون أن  تدري وكأن هذه الدول التي تشن عدواناً همجياً على اليمن استبقت الأحداث وبادرت إلى تقريب يوم سقوطها المدوي دون أن تعلم .
صــــــــــــــــــورة
بمجرد نظرة فاحصة على مسار الإعلام في زمن الطفرة الحضارية الموسومة بحرية التعبير واحترام حق إبداء الرأي تبدو الصورة مخيفة .
الفكرة أقُرت من حيث المبدأ إلا أن لغة المصالح أعادتها إلى أرصفة الفراغ . من حالة الصخب المفعمة بالأمل تبدلت الصورة بسرعة . المصالح اقتضت التعامل مع الفكرة بأسلوب مقزز جعل المضمون الإيجابي يتوارى خلف كم هائل من الانحرافات التي تمددت في الواقع وتجاوزت ما كان سائداً في زمن الكبت والحرمان وتكميم الأفواه .
لقد تراكم غبار قاتل على المضمون وأظهر الفكرة بصورة الرق وهي صورة أخرى للمتاجرة بالمبادئ وشراء الضمائر وإعادة الحياة إلى أسواق النخاسة . رغبة الإلحاق والاستتباع القسري فخخت الأفكار بخواطر مشلولة أدخلت الأحاسيس الإنسانية في حيز الفراغات الذهنية عبر إسالة لعاب من يمتهنون الكتابة بمغريات ومكاسب مادية أعادت من أرتضى الانقياد لنفس النهج إلى فراغات الأرصفة وانزلقت ببعض الإعلاميين إلى مدارب الخيانة والعمالة والسير في ركب الرغبات المشبوهة وأصبح هؤلاء طيعين لخدمة من يدفع أكثر .
في هذه الأجواء النتنة تحول البعض إلى مجرد آلات صماء تكتب ما يملى عليها فكانت بداية السقوط المدوي لما تبقى من قيم ومبادئ وأخلاق كانعكاس للسقوط المريع في مستويات الوعي والإدراك وكافة المؤثرات الخاطئة التي جعلت الإنسان يتناقض مع ذاته ومن ثم تحولت شعارات الحرية والديمقراطية من أعظم منجز حضاري  اهتدى إليه الإنسان إلى معول للهدم و الإقصاء والتهميش ، أو الانقياد لمجاهل الغواية والخيانة ، أليس المشهد مريع ؟ يدل على أننا عدنا إلى شريعة الغاب دون أن نعلم !! ويوحي أن هذه الشريعة ظلت متجذرة في الأعماق رغم ما تباهينا به من تقدم  وازدهار وحضارة ورقي .
نسأل أن يعيد العالم إلى صوابه .. و أن يهدينا إلى الرشاد .. إنه سميع مجيب .. وهو على كل شيء قدير ..

قد يعجبك ايضا