عندما تغدو الحرب عجوزا
يقول المرزوقي في شرح ديوان الحماسة: “والمشهور في عادات الشعراء وطرائقهم أنهم يشبهون الحرب في ابتدائها بالفَتِيَّةِ الْمُخَدَّرَةِ المتسترة ، وعند تفاقُمِها بالعجوز التي أطرحت قناعِها” ؛ لأنها إذا تفاقمت أحداثها وطال أمدها تفقد كثيراً من مظاهر الإغراء والجمال التي كانت تتمتع بها في ابتدائها، وتتحول شيئاً فشيئاً إلى صورة عجوز شمطاء، لا تمتلك جاذبية ولا مقومات إغراء. فماذا عن الحرب التي تشنها قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية على اليمن بعد عام من العدوان، هل شاخت وآن الأوان لتلقي قناعها أم أنها ما زالت فتية معربدة في إغوائها …وما يجري سوى مظاهر شيخوخة كاذبة ؟
لقد تلاشت كثيرا من مساحيق التجميل الزائفة التي غلفت بها المملكة وجه تحالفها العدواني، ورأى اليمنيون بعد عام من الجرائم البشعة والمجازر الجماعية المتلاحقة بحق المواطنين اليمنيين وحجم التدمير والقتل الذي لحق الإنسان اليمني ومنشآته وآثاره التاريخية والحضارية أن المبررات التي حاولت أن تسوقها لتبرير عدوانها على اليمن لم تكن سوى ذرائع سعت إلى استغلالها بمساعدة أدواتها العميلة في الداخل لتنفيذ أجندتها الخاصة بها ابتداء من تفتيت الجيش اليمني والقضاء على سلاحه، وسحق القوى التي استطاعت إسقاط أدواتها التي ظلت تتحكم بالقرار السياسي اليمني على مدى عقود زمنية خلت ، مرورا ببسط نفوذها على ممراته المائية وثرواته المعدنية وفرض وصايتها على قراره السيادي . لقد رأى اليمنيون أن المدن والمحافظات اليمنية التي احتلتها قوى الغزو لم تشهد نقلة نوعية في الاستقرار الأمني وتوفر الخدمات المختلفة والمشاريع التنموية كما هي عادة الاستعمار في التعاطي مع البلدان التي تقع بعض مناطقه تحت حكمه، بل صارت مسرحا للعمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية والفوضى الأمنية في ظل سيطرة الجماعات الإرهابية على مفاصلها هذه المدن والمحافظات .
لقد تساقطت أقنعة التحالف العدواني على اليمن، وانكشفت سوءاته للعالم العربي والإسلامي فإذا هو تحالف أجرب شكلته ورسمت إيقاع حركته قوى النفوذ العالمي، بما يخدم مصالحها في المنطقة العربية ويتناغم مع حماية الكيان الصهيوني ولا علاقة له بإنقاذ اليمن أو الانتصار لقضايا الأمة العربية والإسلامية .
بعد عام من العدوان على اليمن بدأت تتكشف للعالم زيف المنظومة الإعلامية والسياسية التي سخرتها السعودية لتزييف حقائق جرائمها التي اقترفتها في اليمن، والتي ستظل شاهدة على موت الضمير الإنساني وسقوط القيم الحضارية عند كل الدول والأنظمة والمنظمات التي تعاونت مع هذا التحالف وتواطأت في التغطية على جرائمه بأي شكل من الأشكال .
بعد عام من العدوان تيقن العالم أن الشعب اليمني يمتلك قدرات أسطورية في الصمود ومواجهة الحصار والعدوان ، وأن المقاتل اليمني بأسلحته التقليدية استطاع أن يلقن الغزاة هزائم متلاحقة وأن يعيدهم إلى بلدانهم على توابيت الموت وأن يمرغ أنوف المرتزقة المستجلبين من الشركات العالمية ، كما استطاع أن يهاجم الغزاة في عقر دارهم، فاستولى على كثير من المواقع العسكرية، و أسقط المدن والقرى السعودية الحدودية، ودمر كثيرا من آلاتهم العسكرية الحديثة في مشاهد ستظل خالدة في ذاكرة الأجيال وشاهدة على قدرة المقاتل اليمني على اجتراح الانتصار من آفاق المستحيل . بعد عام من العدوان إما أن يواصل التحالف عدوانه فيدمر المدمر ويقصف المقصوف ويغرق أكثر في جرائمه بحق المدنيين اليمنيين ويتهاوى أكثر في إفلاسه ، ويواصل الشعب اليمني صموده كما يواصل المقاتل اليمني صد زحوفات الغزاة وإسقاط مواقعهم والتوغل في عمق مدنهم وتكبيدهم الهزيمة التي ينتظرها العالم . وإما أن يتخلى عن فكرة الحسم العسكري لصالح الحل السياسي ويجنح للتفاوض والحوار وصولا إلى إيقاف الحرب وتحقيق السلام ، وفي كلا الأمرين سيخرج اليمن منتصرا .