زياد سلامة
عندما عرض الله تعالى على الملائكة أنه سيخلق بشراً يعيشون على هذه الأرض، أبدوا تخوفهم من هذا المخلوق الجديد الذي سيسفك الدماء ويفسد في الأرض، ومنذ أن وُجِدَ البشر على هذه الأرض وُجِدَ الظلم.
فهذا أحد ابنيْ آدم يقتل أخاه غيرة وحسداً لأن الله تقبل قربان آخيه ولم يتقبل قربانه هو، فكانت أول معصية لله تعالى جريمة قتل أساسها الظلم والتعدي، واستمر الظلم في بني آدم مع مسيرته الحياتية على هذه الأرض، واتخذ الظلمُ صوراً وأشكالاً كثيرة، فتارة يَظلم الإنسانُ نفسَه إذ يُقصِّر في عبادة الله تعالى أو يُعْرِض عن الذكر الحكيم، أو يدير ظهره لمصلحته إذ يرفض الاحتكام لشريعة الله تعالى، وتارة يظلم الإنسان الآخرين بالتعدي على مصالحهم ومصادرة حقوقهم.
ولم يتوقف ظلم الإنسان عند ممارسة الظلم على أخيه الإنسان، بل نراه يظلمُ بقية المخلوقات فيجور على الحيوانات والنباتات، فأنت ترى مثلاً يهوداً يقلعون أشجاراً عُمْرُها عشرات السنين لا لسبب سوى الإيذاء والتعدي وقهر الإنسان وممارسة عُقَد النقص والضعف لديه.
عرَّف الإسلام الظلم بأنه تجاوز الحق، وأنه نقيض العدل والإنصاف، وقد تكون ممارسة الظلم في التعدي على حقوق الأفراد كالسرقة والغش والغصب ومصادرة ما بأيدي الآخرين وعدم إنصافهم بإعطاء حقهم لآخرين لا يستحقونه، والمحسوبية والواسطة وجه من وجوه الظلم.
وقد يكون الظلم بتجاوز الحكام والمسؤولين حقوق الرعية والتصرف بها وكأنها من أملاكهم الخاصة، وقد يكون بإيقاع عقوبات قاسية في حق البعض من باب التعسف في استخدام الحق، ومن الظلم عدم سياسة الرعية بالعدل والمساواة والإنصاف، ومن الظلم تجاوز حق الأمة في المشورة والمشاركة في الحكم، ومن الظلم إنزال الأمة على أحكام غير أحكام الله مما يُبعد عنها العدل ويدنيها من الجور والتعسف.
ليس للظلم شكل واحد محدد، ولكنه عام يشمل كل قول يصدر من الإنسان أو يقع عليه، وقد حذرنا الإسلام من الظلم كثيراً، وقد اعتبر الظلم مؤذناً بزوال الدول والحكومات، بل والحضارات والإمبراطوريات الكبيرة، يقول تعالى (فقطُع دابرالقوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).. ويقول جل في علاه (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا) وضرب الله لنا أمثلة بعقوبات الظالمين، فأهلك قوم نوح بالطوفان وقال تعالى (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا) وأهلك ثمودَ قوم سيدنا صالح بالصيحة (وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) ولما كذب فرعونُ وقومُه رسولَ الله موسى سلام الله عليه ألواناً من العذاب وقال تعالى (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين) وكذلك قوم عاد لما عاندوا رسولهم أهلكهم الله بريح صرصر وقال تعالى (وأما عاد فأُهلكوا بريح صرصر عاتية) وغير ذلك من عقوبات معجلة في الدنيا، من دون أن يخفف ذلك من عقوبات شديدة تنتظر الظالمين يوم القيامة.
قد يتمادى الظالم في ظلمه من دون أن تعترضه عقوبة معجلة في الدنيا، فسنَّةُ الله تعالى أن لا يُعاقب كل عاص ومخطئ ومسيء في الدنيا مباشرة أو بعد حين، بل هو يمهلهم ليوم تزيغ فيه الأبصار, ويقول جل جلاله (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا) (ولو يعجل اللهُ للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون) وضرب الله لنا مثالاً بترك الظالم من دون عقوبة معجلة في الدنيا بما فعله الظَلَمة بأصحاب الأخدود عندما حرَّقوا المؤمنين، ولم تأخذهم عقوبة فورية، فاكتفى الله تعالى بتهديدهم بالعقوبة الأخروية، فقال تعالى:(إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) وفي هذا إعطاء أمل للمؤمنين المضطهدين المظلومين بأن عدالة الله تعالى ستأخذ لهم حقهم يوم القيامة حتى يقنطوا من رحمة الله شديد العقاب، بل عليهم أن يستمروا في ثباتهم وتضحياتهم كما ثبت أصحاب الأخدود، وإن قضوا شهداء.
إذا كان الله تعالى قد وعد المظلومين بالعدل والإنصاف، لا سيما يوم القيامة، لدرجة أن يأخذ الظالمُ من سيئات المظلوم، أو أن يعطيّ المظلومَ من حسناته ، فإن الله تعالى قد طلب منا العمل على رفع الظلم عنا وأن لا نستكين للظالمين بحجة أن الله سينصفنا يوم القيامة.