بقلم / كاثرين شاكدام *
قشرة بريطانيا الرقيقة تتشقق. إن كان هناك احد لا زال يعتقد أن لندن ما تزال تمثل كل الأمور العادلة والديمقراطية, فإن قصة حب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون مع آل سعود ينبغي أن تكون قد أذابت مثل هذه السذاجة.
ظهرت طبقة بريطانيا السياسية الداخلية على حقيقتها, فئة أوليغاركية في ثياب مدنية. مدفوعة بالمليارات السعودية, صارت المملكة المتحدة مُعين على حرب, جيش مرتزق والي حد ما وكيل عسكري بيع تلبية لإرادة عائلة آل سعود الملكية الاستبدادية.
رئيس الوزراء ديفيد كاميرون, المدعي أنه مناصر للحقوق المدنية وحقوق الانسان ليس لديه أي تحفظات في دعم ومساندة وتمكين حرب العربية السعودية غير القانونية في اليمن بحجة ان لندن والرياض تميزتا بعلاقة صداقة على مدى فترة طويلة, مختومة بصفقات عسكرية بمليارات الدولارات.
لكن إذا ظنت المؤسسة البريطانية نفسها ذكية في اليمن — غير مشاركة في الجبهة العسكرية, بل القوة الخفية وراء آلة حرب آل سعود, فالمزحة الصغيرة كشفت من قبل الصحافة في يناير الجاري, حيث تم الحديث عن ادعاءات أن كاميرون في الحقيقة يمكن أن يكون ينتهك القانون الدولي, ناهيك عن العرف العام.
بريطانيا, الصديق والحليف المخلص دائما لآل سعود, قدمت للعربية السعودية خبرتها وتكنولوجيتها العسكرية, لكي تؤمن للرياض نصرا ضد اليمن المُفقر: هذا الشعب في جنوب الجزيرة العربية تصدى خلال الأشهر العشرة الماضية للعدوان من قبل عدد من الدولة الإقليمية: العربية السعودية, مصر, الامارات العربية المتحدة, الكويت, السودان, قطر والبحرين, والقائمة تطول.
حرب اليمن, الصراع الأقل تغطية اعلامية في العام الماضي, مع ذلك تبقى غير قانونية بشكل كبير جدا وغير أخلاقية—محاولة امبريالية كرست من اجل الاستعباد السياسي لشعب من جانب العربية السعودية الوهابية : ينبوع كل انواع الراديكالية.
ورغم اني سأقر ان السياسة ربما تقتضي بعض التضحيات يتم تقديمها كلما اقتضت الضرورات الاخلاقية ذلك—سيكون من الحماقة والسذاجة بشكل خطير أن نعتقد خلاف ذلك—هناك خطوط يجب أن لا يتم تجاوزها ابدا: أقصد القتل الجماعي لشعب بموجب دعوى دينية.
اعتقد, انها دولة العراق والشام الاسلامية, هي التي وضعت اجندتها ضد المسلمين بشكل واضح الى اقصى حد في هذا الشهر عندما نشرت في مجلتها مقالة طويلة جدا حول تلك الفرق في الاسلام التي تعتبرها الوهابية اهدار للمساحة—كل الفرق الاسلامية الأخرى تقريبا. وبما أن الوهابية هي المذهب الذي تم اقراره من قبل الرياض, فهي العقيدة الوحيدة الجديرة بالإتباع اذا كان المرء يرغب في الحفاظ على رأسه فوق كتفيه, بالتالي يمكن افتراض ان اليمن تستخدم كخطوة نحو ممارسة الارهاب بشكل مؤسسي من قبل الدولة.
شكرا بريطانيا, كونك مشاركاً فعالاً في التطهير الديني من قبل العربية السعودية. الارقام المنشورة حديثا من ادارة التجارة والابداع والمهارات تظهر انه في الربع الثاني من العام الماضي, منحت المملكة المتحدة تراخيص تصدير للأسلحة الى المملكة العربية السعودية بقمة تزيد عن مليار جنيه إسترليني على الرغم من الادلة الواضحة عن انتهاكات واسعة لحقوق الانسان تم ارتكابها من قبل التحالف الذي تقوده السعودية اثناء حملة القصف الجوي في اليمن. خلال هذه الفترة منحت المملكة المتحدة 48 ترخيصا لتصدير السلاح الى العربية السعودية بقيمة اجمالية تصل الى 1,8مليار جنيه استرليني. إذا لم تكن هذه تجارة حرب , فما هي إذاً؟!
لكن القطار المجنون لم يتوقف هنا. ما قامت به بريطانيا اكثر من تزويد المملكة السعودية بالأسلحة خلال الحرب الجارية ضد اليمن, فقد قدمت خبرتها وحتى ارسلت ضباطها للجلوس في غرف ادارة الحرب في الرياض.
كان خطاب كاميرون الذي ألقاه في المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في 25يناير2012م بليغا وطنانا جدا : ” قضية حقوق الانسان راسخة بشكل عميق في صميم المجتمع البريطاني وعلى مدى تاريخه الطويل. ( بريطانيا تعمل ) بدافع ايمانها بحقوق الانسان الاساسية وتحمسها لتعزيزيها”, هكذا صرح.
عندما انظر الى واقع السياسات البريطانية, لا اعتقد ان ذلك صحيحا. كما اشارت/ فيليستي أربوثنوت/ في مقالة لها عن المؤسسة البريطانية : ” الحكومة البريطانية تحت قيادة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون تستطيع ان تدعي ثباتها المطلق في سياسة واحدة فقط : النفاق المفرط والمثير للدهشة”.
وفقا لمنظمة العفو الدولية في بريطانيا على لسان رئيس السياسة وشؤون الادارة فيها /آلن هوجارث/ المملكة المتحدة في الواقع تساعد مجرمي الحرب—وتحقق مكاسب مالية كبيرة.
قال آلن هوجارث ” المملكة المتحدة مستمرة في ارسال كميات كبيرة من الاسلحة الى العربية السعودية على الرغم من الادلة الدامغة ان آلة الحرب السعودية تحول المنازل والمدارس والمستشفيات اليمنية الى انقاض. بينما كان المسؤولون يوقعون صفقات هذه مبيعات هذه الاسلحة, مئات, وربما آلاف—من المدنيين اليمنيين كانوا يلقون حتفهم في وابل مرعب من الغارات الجوية السعودية العشوائية في البلد. فقط هذا الاسبوع وجدنا رئيس الوزراء يقول راضيا عن نفسه إن المملكة المتحدة لديها” ضوابط صارمة على تصدير الاسلحة—ادعاء فارغ تماما عند النظر الى هذه الارقام المتعلقة بمبيعات الاسلحة. إن القانون واضح جدا : أي هجوم سعودي, سواء كان متعمد ام لا, يخفق في حماية المدنيين بالقدر المطلوب هو انتهاك للقانون الدولي. وبالمثل التزاماتنا واضحة ايضا—كوننا مصدراً رئيسياً في تزويد العربية السعودية بالسلاح, فالمملكة المتحدة مُلزمة قانونيا ان تعلق تصدير الاسلحة”, هذا ما قاله هوجارث.
“من خلال معرفتنا لعدد ممن تولى رئاسة الوزراء من المحافظين الجدد: توني بلير, جوردون براون وديفيد كاميرون، كان اهتمامهم بإدارة عمليات عسكرية بشكل سري, اكثر من الانشغال حول تفاصيل مملة مثل الحصول على تفويض برلماني. لماذا المواجهة مع التشريعات القانونية إذا كان يستطيع المرء ان يختفي وراء اتفاقات الأمن القومي الضبابية؟
لكن ليس جماعات حقوق الانسان فقط هي التي وقفت على افعال كامرون — السياسيون أيضا ادركوا الانحلال السياسي الذي تشجعه الحكومة في لندن.
حيث طالب /انجوس روبيرتسون/ زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي في ويستمينيستر بالمساءلة السياسية خلال استجواب لرئيس الوزراء. فقد اشار إن” الآلاف من المدنيين يقتلون في اليمن, من ضمنهم عدد كبير بواسطة القوات الجوية السعودية وأن السعوديين فعلوا ذلك باستخدام طائرات حربية بريطانية الصنع, وطيارين تدربوا على ايدي مدربين بريطانيين , يسقطون قنابل صنعت في بريطانيا, ويتم تنسيق الغارات الجوية في وجود مستشارين عسكريين بريطانيين”. وأضاف قائلا :” ألم يحن الوقت لرئيس الوزراء ان يعترف ان بريطانيا تشارك بشكل فعال في الحرب في اليمن التي كلفت آلاف المدنيين حياتهم وانه لم يسع للحصول على موافقة برلمانية للقيام بهذا؟”
طبعا اصر كاميرون على ان موقفه قانوني وسليم تماما.” أولا , علاقتنا مع العربية السعودية مهمة لأمننا. فهم مناوئون لداعش وللتطرف والإرهاب “— ( رأي الكاتبة في الواقع هي تنشر ذلك ) — هكذا قال مدافعا عن موقفه في تصريحات لراديو بي بي سي 4.
في الحقيقة , بريطانيا تمارس فعلا لعبة اللعب بالألفاظ والمعاني في اليمن. باعترافها انها عززت ودربت وساعدت آلة حرب العربية السعودية.
صحيفة الديلي تلجراف البريطانية نقلت عن الناطق باسم وزارة الدفاع قوله” اننا ندعم القوات السعودية من خلال اجراءات موجودة من قبل ومنذ فترة طويلة”, مضيفا ان التدريب ضروري لضمان افضل نتيجة والتزام بالقانون الانساني الدولي.
*كاثرين شاكدام, محلل سياسي، كاتبة ومعلق على قضايا الشرق الأوسط, مع تركيز خاص على الحركات الراديكالية في اليمن. مولف كتاب: بروز العربية تحت راية الإمام الأول.
* محلل وخبير سياسي في شؤون الشرق الأوسط – تلفزيون روسيا
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا