الولايات المتحدة ترافق السعودية إلى حافة الهاوية

> مليارات تنفقها الأسرة الحاكمة على المدارس والمساجد لنشر ماركتها الوهابية والحفاظ على سلطتها .. ومبالغ مماثلة لدعم القاعدة وداعش والنصرة
بقلم:عادل شمو*

يجب على الولايات المتحدة إعادة النظر في علاقاتها مع هذا البلد المتورط في عمليات الإعدام الجماعية والحملات العسكرية الكارثية.
يغطي السعوديون أنفسهم برداء الدين على غرار الأنظمة الشمولية الأخرى التي ليس لها شرعية ولا قاعدة تدعمها. يستخدم السعوديون الدين الآن كذريعة وغطاء لعمليات الإعدام الجماعية الأخيرة تحت مبرر الحفاظ على دينهم, في حين أن الرسالة الحقيقية من ذلك هي تخويف مواطنيهم ودفعهم إلى الخضوع.
خصصت الحكومة السعودية 35 مليار دولار في وقت مبكر من أحداث الربيع العربي عام 2011، كهبات وخدمات متاحة للمواطنين السعوديين، خوفا من فقدان قبضتها على المواطنين في البلاد. ورغم أن هذا التحفيز المالي قد نجح في إخماد أي أفكار للثورة في ذلك الوقت، إلا أن السعوديين قاموا فقط بتأجيل موعد تصفية الحساب. هناك دافع قوي لمحاربة الشعور بالظلم لدى أولئك الذين يعيشون في تلك الدولة البوليسية، في ظل غياب الديمقراطية والمساواة (يعمل العديد من المقيمين السعوديين بدون وجود حقوق على الإطلاق).
بدأ السعوديون هذا العام الجديد بإعدام 47 من مواطنيهم في 2 يناير، بعض هذه الإعدامات نفذت بأسلوب همجي تمثل في قطع الرأس. وجاءت هذه الإعدامات بعد حصيلة إجمالية لعدد 158 أعدموا في عام 2015. من المحتمل أن الحكومة السعودية ارتأت أن تبدأ العام برسالة تحذير أنها لن تتسامح مع جريمة معارضة النظام السعودي. هذه الإعدامات – بعضها نفذ في حق أشخاص تحدثوا فقط ضد الدولة – هي صفعة في وجه كل تلك الديمقراطيات في العالم.
معظم الذين أعدموا ينتمون للمذهب السني، وكان المقصود من هذه الإعدامات هو تخويف سكان المملكة ذوي الأغلبية السنية الساحقة ليصمتوا. وفي نفس الوقت، تضمن إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر باقر النمر إرسال تحذير مماثل للأقلية الشيعية. كما عملت السعودية على تحويل انتباه العالم حول الإعدامات الوحشية وتوجيهه إلى الصراع بين الشيعة والسنة، لإظهار إيران وكأنها الطرف المذنب. وكانت جريمة الشيخ نمر هي معارضة النظام السعودي ودعوته لمعاملة الشيعة في شرق المملكة العربية السعودية – الذين يمثلون 20% من السكان – على نحو أفضل.
جهود السعوديين للحفاظ على حياة نظامهم واسعة وعميقة. وعلى مدى عقود، أنفقت السعودية مليارات الدولارات على المدارس والمساجد التي تنشر ماركتهم الوهابية عن الإسلام، كما مررت في الخفاء مبالغ مماثلة لتنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة بشكل مباشرة وغير مباشر. دعمت السعودية جميع أولئك الذين يعارضون الأسد في سوريا، وتسعى إلى التأثير في نتائج الحرب الأهلية في السودان وتنصيب دميتها كحاكم في اليمن.
زعم السعوديون أيضا أن الحوثيين في اليمن وكلاء لإيران، حتى أن الكثير من وسائل الاعلام الامريكية قبلت هذه المزاعم في ظاهرها رغم ضعف الأدلة. الحوثيون طائفة تختلف عن الشيعة الإيرانيين. وعلاوة على ذلك، لاتملك إيران قوات في اليمن، كما يفصل بين إيران واليمن خليج واسع. وفوق كل هذا، لم تغز إيران اليمن كما فعل السعوديون بدعم من الولايات المتحدة التي تتموضع حاملة طائراتها بالقرب اليمن.
ساهم السعوديون بشكل كبير في تأجيج اثنتين من الحروب – سوريا واليمن, بدون أي أسباب منطقية، لم تكن هذه الحروب نتيجة للاختلافات الدينية وإنما بسبب الجهود السعودية لدرء أي تحديات لنظامهم الفاسد.
تمضي المملكة العربية السعودية في مسار خطير، وثروتها تتراجع. انخفض سعر النفط إلى 30 دولارا للبرميل في حين تنفق الدولة مليار دولار شهريا على تدخلها المتهور في اليمن، بينما يعاني مواطنوها من الانكماش الاقتصادي. يحاول النظام تعزيز سلطته عن طريق التهديد بالموت بدلا من وعود الإصلاح.
عندما تولى الرئيس أوباما منصبه في عام 2008، قال إنه يرفض تماما السياسات السابقة لبلاده في دعم الأنظمة غير الديمقراطية والفاسدة والمسيئة لمجرد أنها شريك استراتيجي للولايات المتحدة. لقد حمل الربيع العربي عام 2011 آمالا بأن الديمقراطية ربما قد وجدت فرصتها في الشرق الأوسط. لكن تبين أن المهمة صعبة للغاية، كما أدت الأحداث والسياسات في مصر وسوريا وليبيا واليمن إلى دفع أوباما للتراجع باستمرار عن سياسته في إبعاد الولايات المتحدة عن هذه الأنظمة الشمولية.
تمثل عمليات الإعدام الجماعية الأخيرة في السعودية اختبارا مهما للولايات المتحدة. المبادئ الأساسية للحرية والديمقراطية لدينا يجرى تمزيقها إربا في النظام السعودي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. يجب على الولايات المتحدة ألا تسير عمياء مع المملكة العربية السعودية في تلك الخطوة نحو حافة الهاوية المتمثلة في إحراق وتدمير الشرق الأوسط.
*عادل شمو، زميل مشارك في معهد الدراسات السياسية وكبير محللي برنامج السياسات الخارجية تحت المجهر، مؤلف كتاب “الثروة المتساوية – عندها ستملك الإنسانية السلام”.

* معهد الدراسات السياسية – واشنطن، ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب-سبأ)

قد يعجبك ايضا