الثروات الخليجية.. أين تذهب ؟!
معروف درين
في منتصف القرن الماضي بدأ العمل والتنقيب في استخراج النفط في كثير من الدول وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي واستبشر الكل خيراً سواءً أبناء هذه الدول أو الدول المجاورة لها لاعتقادهم بأن هذه الثروة النفطية ستكون رافداً كبيراً للتنمية والبناء وعاملاً مهما في تحقيق الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار لأبناء هذه الشعوب بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، غير أن استخراج هذه الثروة وتصديرها لمختلف بلدان العالم لم يحقق طموحات وأمنيات مواطني هذه البلدان المصدرة للنفط، بل على العكس مثل لهم انتكاسات واحباطات وشيئاً من عدم الأمن والاستقرار كون هذه الأموال والعائدات تخدم أشخاصاً واسراً بعينها في المقام الأول..
ولعل المتابع الحصيف للعائدات النفطية الهائلة التي تجنيها دول الخليج من تصديرها للنفط وأين وكيف تستثمر يدرك حجم الفساد والعشوائية واللامبالاة في استغلال هذه الأموال وهذه العائدات وبحسب مراكز الأبحاث المتخصصة فإن دول الخليج تنتج 20% من النفط في العالم وتمتلك 30% من المخزون العالمي أيضا، فبدلاً من أن تُوجه في التنمية الحقيقية والتصنيع والبحث العلمي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كافة المجالات، بدلاً من ذلك كله تم تسخير هذه الأموال في أشياء ومواضيع ثانوية لا تخدم عملية البناء والتنمية ولا مواطني الخليج بقدر ما تشكل عليهم عبئاً وهماً وخوفاً، بل أن جُل هذه الثروات تُنفق في مجالات محرمة وغير مشروعة!!
نعم سنحاول في هذه السطور الحديث عن بعض مجالات الإنفاق الخليجي وإهداره للثروة النفطية وعدم الاستفادة منها، فمن هذه المجالات التي تعد باباً خصبا لضياع الأموال والثروات سباق التسلح المبالغ فيه من قبل دول الخليج حيث بلغت قيمة صفقات الأسلحة المُعلن عنها خلال العام الماضي 2015م 102مليار دولار،فقيمة مبيعات الولايات المتحدة الأمريكية المعلنة من السلاح لدول الخليج وحدها بلغت 70مليار دولار، بينما بلغت قيمة الأسلحة المصدرة لبعض دول الخليج من فرنسا خلال العام الماضي 22مليار دولار ومن كوريا الجنوبية ملياري دولار ومن ايطاليا 8مليارات دولار وهناك عقود وصفقات أخرى لم يتم الإعلان عنها سواء كانت مع بريطانيا أو روسيا.
وهناك مجال الرياضة والذي وجدنا رؤوس الأموال الخليجية ورجال المال والأعمال تتسابق وتتنافس على شراء الأندية الأوروبية ورعاية بعضها وبمبالغ كبيرة جداً، فعلى سبيل المثال لا الحصر نادي مانشستر سيتي الإنجليزي تم شراؤه بمبلغ 200مليون جنيه إسترليني ونادي باريس سان جرمان الفرنسي بحدود المبلغ نفسه ورعاية نادي برشلونة بمبلغ 100مليون دولار كل عام، ففي هذا المجال هناك مليارات الدولارات تُنفق وقد أصبحت معظم الأندية الأوروبية وأشهرها إما ملكاً لرجال أعمال ومؤسسات خليجية أو شُركاء فيها.
وثمة مليارات الدولارات تُنفق لشراء ولاءات ودعم جماعات متطرفة وتسليحها في الدول المجاورة لدول الخليج لزعزعة الأمن والاستقرار فيها سواءً في اليمن والعراق أو سوريا ولبنان أو غيرها من الدول العربية التي لم تسلم من شرور دول هذا المجلس المشؤوم باستثناء دولة عمان التي لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى وتنتهج سياسة مغايرة لسياسة بقية دول المجلس، ولا يفوتنا هنا أن نشير فقط إلى مليارات تذهب في اللهو والترف والمجون والسياحة الليلية!!
وما يثير الدهشة والاستغراب معاً هو سباق دول الخليج على وبالتباهي في بناء الأبراج وناطحات السحاب والمدن الترفيهية داخل البحار أو على الشواطئ، فهل يعلمون أن ذلك ليس من التنمية في شيء وأنها مجرد كتل إسمنتية لا يتجاوز عمرها الافتراضي الـ100عام، وهل يدركون أن هذه الثروة مهددة بالنضوب ولم يتم استغلالها حتى اللحظة في مشاريع حقيقية صناعية وزراعية وتنمية بشرية وبُنى تحتية وليس في شراء أسلحة وأندية ودعم وتمويل الجماعات المتطرفة في أكثر من دولة وغيرها من المجالات التي تعتبر مصارف محرمة أو غير واقعية لهذه الأموال، ومن الأحق بهذه الأموال أبناء هذه الدول أم غيرهم، وما هو مصيرهم بعد نضوب النفط ؟!
أليس رعاية دولة عربية ودعمها والمساهمة في تنميتها ولو من باب القروض الحسنة وليس الدعم والهبة أهم من رعاية نادي أوروبي وسيحمل أبناء هذه الدولة شعار الدولة الراعية أو المؤسسة الخليجية، ومن أكثر برأيهم واهم أبناء دولة بالكامل أم نادي لا يتجاوز لاعبوه الـ30 لاعباً ؟! فنحن كنا مستعدين لنحمل شعاراتهم على قمصاننا بدلاً من الأندية الأوروبية ومستعدون أن نكون عوناً وسنداً لهم مقابل كف الأذى وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية، غير أنهم فوتوا الفرصة وسخروا هذه الأموال الطائلة لقتل وقمع شعوبهم والاعتداء على جيرانهم ودعم الأعداء ضد الأشقاء والجيران،وما زرعتم ستحصدون وسيأتي اليوم الذي تقعون في شر أعمالكم وخططكم وظلمكم وجُوركم بحق رعيتكم أولا وأشقائكم ثانياً.