التاريخ الأسود .. للمجرم الطليق
الثورة/ إبراهيم يحيى – محمد الفائق
شهد اليمن في تاريخه الحديث جرائم جسيمة كبرى بامتداد ارجائه كافة خلال الخمسين عاما الماضية ونيف، وتحديداً منذ ما قبل استقلال جنوب اليمن في الثلاثين من نوفمبر 1967م وحتى احتلاله من جديد بقوات غزو أجنبية في العام 2015م، اتسمت بطابع متسلسل اقترن على نحو مباشر وغير مباشر بمجرم رئيس، يجيد الفرار ونجا بقرار عفو سياسي عام من حكم قضائي بالإعدام ومع أنه يحاكم الآن غيابياً، إلا أنه لا يزال فاراً طليقاً.
بعد مشاركته بمجازر 13 يناير 1986م في جنوب اليمن وفراره الأول ومئات السياسيين والعسكريين من “جناح الزمرة” داخل الحزب الاشتراكي اليمني، مع الرئيس علي ناصر محمد ومئات الآلاف من المدنيين اللائذين بأرواحهم من التصفية المناطقية، إلى شمال اليمن، بدأ “المجرم الطليق” فصلاً جديداً من تاريخه الأسود.
كنف “الإخوان”
استهل “المجرم الطليق” هذا الفصل بارتمائه في أحضان تنظيم “الإخوان” الذي كان لا يزال سريا لكنه استطاع التغلغل في مفاصل الدولة إثر الاستعانة به في التصدي للمد الفكري والعسكري للجبهة الديمقرطية المدعومة من نظام عدن الاشتراكي، فيما عرف بحروب الجبهة (1978 – 1983م).
كانت قيادات “الإخوان” أو ما عرف بـ “الجبهة الإسلامية” بعد توقف الحروب في المناطق الوسطى لشمال اليمن، قد انتشروا في مؤسسات التعليم والأمن والجيش، ومن الأخيرة كان علي محسن الحاج (الأحمر) المسؤول عن استقبال العسكريين النازحين من جنوب اليمن.
تولى “محسن” استقبال وتنظيم النازحين فيما عرف بـ “ألوية الوحدة” مستعينا بـ “المجرم الطليق” وزمرته، بالتزامن مع توليه تدريب وإرسال آلاف اليمنيين “الإخوان” إلى افغانستان بزعم الجهاد ضد السوفيت لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، فنشأت علاقة وثيقة بين المجرم وتنظيم “الإخوان” ولاحقا “القاعدة”.
ضد “الوحدة”
شكل “المجرم الطليق” رأس حربه ورفاقه من القيادات العسكرية النازحة من الجنوب، في دعم حملة “الإخوان” المناهضة لإعادة توحيد شطري اليمن، وإعاقة مباحثاتها بين قيادة نظامي الشطرين وعرقلة إجراءات الوحدة بالتحريض ضد نظام عدن بوصفه “اشتراكيا ملحدا وكافرا”.
وبعدما اتفق نظاما الشطرين وأعلنا التحام الشطرين في مايو 1990م، صعد “الإخوان” ممثلين فيما عرف بحزب التجمع اليمني للإصلاح، التحريض الديني ضد الوحدة والاستفتاء على دستور اليمن الموحد وضد الحزب الاشتراكي شريك المؤتمر الشعبي العام في ائتلاف حكم الفترة الانتقالية.
تصفية الرفاق
اشترك “المجرم الطليق” مع “الإخوان” وعناصر “القاعدة” العائدين من افغانستان في حملة “بتر ذيل الشيوعية بعد دك رأسها” حسب اعتراف معلن لسائق أسامة بن لادن قائد تنظيم “القاعدة” طارق الفضلي الذي تجمعه علاقة قربى مع هذا المجرم وعلاقة مصاهرة مع “محسن” تمت بواسطته.
اشرف هذا المجرم على اغتيال نحو (23) قياديا في الحزب الاشتراكي خلال (1991 – 1993) وساهم مع “الإخوان” في تأجيج الأزمة السياسية والدفع باتجاه تفجير الموقف عسكريا وإشعال حرب صيف 1994م ليدفع به “الإخوان” إلى منصب وزير للدفاع، بحسب السياسي المعروف أحمد الحبيشي.
ومن موقعه الجديد ساهم “المجرم الطليق” في قيادة المعارك والدفع بالطابع الانتقامي لاجتياح جنوب اليمن عبر تصفية خصومه ونهب ممتلكاتهم وإباحة الممتلكات العامة بوصفها “غنائم حرب” لحلفائه الإخوان (تجمع الإصلاح) الذين دفعوا به سريعا لتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، ممثلا لهم وحاميا لغنائمهم.
القضية الجنوبية
لم يكتف “المجرم الطليق” وحلفاؤه بإزاحة خصومهم في الحزب الاشتراكي نفيا واغتيالا، فعكف و”محسن”ضمن “لجنة توحيد الجيش” على فرز الضباط والجنود على أساس سياسي (طغمة وزمرة) ومناطقي (ابين وشبوة .. الضالع ويافع ولحج)، وأقصى عشرات الآلاف بالإحالة للتقاعد والتسريح من الخدمة.
ومن موقعه نائبا لرئيس الجمهورية، ظل هذا المجرم وزمرته عائقا لمعالجة آثار فتنتي 1986 و1994م وما عرف لاحقا بـ “القضية الجنوبية” رغم رئاسته لجنة عليا معنية بملفها منذ 2007م وحتى ما بعد مخرجات مؤتمر الحوار 2013م، بمقابل ارتهانه لـ “محسن” غطاء لنشاط “الإخوان” و”القاعدة” وتمكينهم من مفاصل الدولة.
مع الإرهاب
ظل تجمع “الإخوان” يبعد شبهات ارتباطه بتنظيم “القاعدة” وعناصره، تارة بإنكار وجوده في اليمن، وتارة بالتقليل من خطره، وتارة ثالثة باعتباره من أدوات النظام وتابعا له، في وقت ظل يؤمن له الذخيرة الفكرية والعسكرية والغطاء السياسي والإعلامي، ولا يدين أي من هجماته.
يقول السياسي أحمد الحبيشي: إن هذا المجرم “ارتبط بتنظيم القاعدة منذ عودة عناصره من افغانستان إلى جنوب اليمن بداية التسعينيات فعرف عنه ومحسن رعايتهما طارق الفضلي وقائد ما عرف باسم جيش عدن أبين الإسلامي زين العابدين أبو الحسن المحضار وخالد عبد النبي وأخيرا جلال بلعيد”.
جرائم 2011م
وبينما كان مكلفا بالإشراف وتيسير حوار الإصلاحات السياسية وتعديلات الدستور، بين المؤتمر الشعبي الحاكم وأحزاب “اللقاء المشترك للمعارضة”؛ كان يرتب مع قادة هذه الأحزاب المهيمن عليها تجمع الإخوان لتفجير أزمة 2011م وما تلاها من ركوب موجة ما عرف باسم “الربيع العربي”.
اتخذت قيادات الإخوان والمشترك من منزل “المجرم الطليق” مقرا لاجتماعات ترتيبات أحداث “إسقاط النظام” وما صاحبها من قتل للمتظاهرين ومحاصرة ومهاجمة المعسكرات واقتحام المؤسسات بحسب إقرار علي محسن لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية بقوله “كنا على تنسيق كامل مع النائب منذ البداية”.
تأكد ضلوع “المجرم الطليق” في تداعيات الأحداث بتغيبه عن اجتماع كان مقررا لقيادات الدولة بعد صلاة الجمعة بمسجد دار الرئاسة الذي تعرض لتفجير ارهابي هدف لاغتيال رئيس الجمهورية وقيادات الدولة في 3 يونيو 2011م، وتمييعه قضيتها عقب تسلمه الرئاسة وإطلاقه سراح متهمين رئيسيين في الجريمة.
ذلك ما أعلنه المحامي محمد المسوري عضو فريق المحامين عن ضحايا جريمة تفجير دار الرئاسة، بإعلانه “تمكن الفريق من جمع أدلة تثبت تورط هادي في الجريمة والتقدم للنيابة بطلب بالتحقيق معه وإحالته للمحاكمة إلى جانب بقية كبار المتهمين وعلى رأسهم علي محسن الأحمر وحميد ومذحج الأحمر”.
زاد على هذه الأدلة مؤخرا وفقا للمسوري قصف الطيران السعودي مسرح الجريمة “ما قدم لنا، فريق الادعاء، أدلة جديدة نستطيع من خلالها المطالبة بمحاكمة النظام السعودي، باعتباره شريكاً وفاعلاً أساسياً لقادة الإخوان في جريمة تفجير مسجد الرئاسة الإرهابية”.
إدارة الدماء
وبوصول المجرم الطليق” إلى سدة الحكم بتوافق سياسي ودعم سعودي وبريطاني لا تنافس انتخابي ودعم شعبي، بدأ وحلفاؤه فصلا جديدا من تاريخه الأسود أكثر تضرجا بالدماء التي تضاعف سفكها في اليمن على نحو لم يسبق له مثيل، ولا تزال نازفة على نحو يحاكم معه اليوم بجرائم سفكها والخيانة العظمى.
* أبرز جرائم هذا الفصل الثالث من التاريخ الأسود لهذا المجرم (2012 – 2015م) وخفايا تآمره مع “الإخوان” و”القاعدة” وإدارته حمامات الدماء وعمالته للخارج واستئناف نشاطه الجاسوسي مع المخابرات البريطانية … في العدد القادم.