الاقتصاد الخليجي.. وعام التحولات القاسية
محمد محمد إبراهيم
بذاكرةٍ حافلةٍ بكمٍ غير مسبوق من المتناقضات للأحداث الدراماتيكية في منطقة الخليج على المستوى الاقتصادي الذي تأثر كثيراً بمجريات الحالة السياسية والأمنية، ودعّنا العام 2015م، الذي وضعتنا معطيات وتفاعلات أحداثه أمام رؤية أكثر وضوحاً لاستشراف القادم، لنستقبل العام 2016م وهو العام الذي تلوح في أفقه تحولات اقتصادية قاسية، لا يمكن الإحاطة بمساراتها المفاجأة، وارتداداتها على مجتمع الخليج ومن ثم العربي، فمجمل الحجم الاقتصادي القومي العربي -الذي يمثل الخليج قطبه المحوري- جرى استنزافه في الحروب، أو دعم أطراف سياسية أو دينية ضد أخرى- في لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وغيرها..
وبناء على هذه الإشارة فإن تحولات المنطقة العربية الاقتصادية مفتوحة على الألم أكثر من انفتاحها على الأمل، خصوصاً إذا ما قرأنا المحور الاقتصادي من زاوية قضية النفط الذي يشكل المصدر الرئيسي من واردات الدخل القومي الخليجي.. ومن الجلي والواضح أن ثمة ثلاثة عوامل هامة ضامنة لاستمرار مؤشر أسعار النفط في حدودها الدنيا، وبل إنهيارها إلى ما دون الـ20دولاراً، على عتبات العام 2016م، بل تجعل من المستحيل تعافي الأسعار إلى النصف مما كانت عليه قبل الانخفاض، أولى هذه العوامل الاتفاق النّووي الإيراني الأمريكي الذي يدخل حيّز التنفيذ مع العام 2016م، حيث يقتضي السماح لإيران بالعودة المباشرة إلى سوق النفط، وبـ 500 ألف برميل يومياً، يعقبها ارتفاع تدريجي في معدلات الإنتاج على مدار عدة أشهر.. وثانيها التنافسية الشديدة التي ستتجه صوبها –تباعاً لهذا البند من الاتفاق- دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وغيرها من منتجي أوبك الرئيسيين أو المنتجين خارج أوبك.. إذ أن دول الخليج لن تتخذ أي خطوة باتجاه خفض معدلات انتاج النفط، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار حاجة هذه الدول إلى تمويلات ضخمة لتغطية عجز الموازنة للعام 2016م..
أما الثالث فهو صناعة النفط الصخري الأمريكي، إذ تشير أحدث التقارير التي نشرتها النيويورك تايمز مؤخراً أن أكثر من 4000 ألف بئر نفطي جاهزة لإنتاج النفط الصخري حيث تم تجهيزها منذ سنوات، ومثلها بضعفين يتم التخطيط لتجهيزها لمواجهة أي أزمة قد تنشب مع منتجي النفط في الشرق الأوسط. وإن بعض الشركات ستشرع في تشغيل معظم مستودعاتها “الآبارية” في عام 2016م، ومن دون التقيد بشرط ارتفاع أسعار النفط.
هذه العوامل الثلاثة تعني استمرار زيادة العرض، وتدني الطلب إن لم يهبط إلى مستويات أدنى مما هو عليه، خصوصاً من قبل كبرى الدول العالمية التي تشتري النفط من الشرق الأوسط والخليج بالذات، كالولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الحرب المفتوحة على جرائم إنسانية كبرى في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، والتي تورطت دول الخليج وعلى رأسها السعودية، قد أستنزفت مئات المليارات من الدولارات من احتياطي ثرواتها السيادية، الأرقام في هذا المجال محظورة لا تسطيع أجهزة الرقابة أو حتى الاستخبارات-إلا ما ندر- الوصول إلى مؤشرات النفقات على التسلح والحروب التي تديرها السعودية في دول الوطن العربي، خصوصاً إذا ما عرفنا أن معظم النفقات الغامضة تذهب في شراء الولاءات على الصعيدين العربي والدولي، وشراء المرتزقة لقتل كلما هو إنساني وحيوي كما هو حاصل الآن في اليمن..
كل هذه النفقات فَتحت أبواب الإحتياطي السيادي الخليجي الكبير ولن تُغلق، إلا بنفاذ الخزينة وتشظي المنطقة حروباً لتصل إلى أرباب هذه الثروات، ونحن نتحدث هنا عن ثروات طائلة، فحسب دراسة صدرت عن معهد التمويل الدولي (IIF) للعام 2015م بلغت عائدات الدول الخليجية من النفط خلال السنوات الخمس الماضية أي أثناء الطفرة النفطية نحو (1500) مليار دولار وهو ضعفَي المبْلَغَ الذي جَنْتَه هذه الدول في الأعوام الخمسة التي سبقتها. مشيرة إلى أن دول الخليج أنفقت ثلثي هذا المبلغ على الاستيراد. وألمحت الدراسة إلى تداعيات هبوط النفط الكارثية على حجم الاقتصاد الخليجي، متغافلة ما تنفقه الخليج في الحروب، وتغذية أطرافاها وشراء الولاءات المتعلقة بها.
ولا نغفل هنا قضية اقتصادية محورية أخرى تتمثل في أن معدلات نمو الاقتصاد الخليجي والعربي شهدت تراجعا كبيراً توالى خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وهو في طريقه الآن بعجز موازنات كثير من الدول الغنية في الخليج والمنطقة العربية، إلى خلق وضع اجتماعي غير مبشر بالفكاك من أغلال البطالة وواقعها المرير الذي أفرزته نتائج الأوضاع في معظم الدول العربية، كالعراق وسوريا ومصر وتونس واليمن وليبيا وغيرها. ناهيك عن الارتفاع الكبير لبطالة الشباب في معظم الدول العربية بما فيها الدول الخليجية المستقبلة للعمالة، إذ تصل إلى 30%، أي أن (4.5) مليون شاب عاطل عن العمل، يضاف إليهم أرقام كبيرة مجهولة لعاطلين فقدوا فرص أعمالهم في الحروب التي تشنها دول الخليج على اليمن، التي تضاعفت فيها مؤشرات البطالة خلال العام 2015م إلى ما فوق الـ50%، وهي في طريقها للارتفاع مع استمرار الصراعات الداخلية واستمرار هجمات العدوان السعودي.