عدوان أعمى!
إبراهيم الحكيم
أفاقوا فزعين في عتمة تلازمهم .. أفاقوا يلجون باسم كافلهم وجلين على دوي انفجار عنف أسماعهم المرهفة والأكثر حدة من سواهم. انفجار صاروخ أطلقه طيران تحالف إثم وعدوان، ارتهن للشيطان واتخذه رباً من دون الله وشريكا له في آن معاً !!.
هموا يهربون تبعاً لغريزتهم. لكن: إلى أين؟! وكيف يهربون وهم مكفوفو البصر؟!. قالوا لأنفسهم ولزموا مكانهم، لا يحيطون علماً بما حاق ويحيق بهم، في انتظار ما كتبه الله لهم، ولسان حالهم: هو حسبنا ونعم الوكيل والحافظ والنصير.
كف الله عنهم البصر وحرمهم نعمة النظر إلى بشاعة عالم يزداد قبحا بنفاق وشرور البشر، لكنه تعالى لا يجمع بين عسرين، وهبهم البصيرة، وكان بهم لطيفاً، حامياً لأنفسهم التي هي من روحه القدس، وغلظ تحريم إزهاقاً إثماً وعدواناً.
تحسس 120 طفلاً كفيفا محيطهم.. ارتطمت أجسادهم بركام دارهم، تنسموا غبار أطلال ملاذهم، تعثروا بحطام مركز إيوائهم، أدركوا أنهم كانوا هدفاً لغارة غاشمة شنتها طائرات العدوان الجبانة على مركز يرفق بهم وينير درب حياتهم بالعلم.
لم يكونوا في معزل عن مصاب بلادهم. وقبل أن يخلدوا للنوم كانوا كما كل ليلة قد قرأوا الشهادتين ورتلوا سورتين وابتهلوا بدعائين، لرب صمد واحد أحد، يؤمنون به إيمان بصيرة أكسبهم عقيدة لا يشوبها ورع شيخ دعي ولا يخالطها بهرج دنيا حقيرة فاتنة وخادعة.
كان مكفوفو مركز النور في العاصمة صنعاء يدركون فظاعات العدوان على بلادهم وجور حصاره. يتكبدون آثاره ويشاطرون شعبهم تجرع تداعياته، ويواسون أنفسهم برحمة ربهم وانتصارات جيشهم ولجانهم الشعبية في دفع العدوان وردعه.
لكنهم لم يتوقعوا أن يكون العدوان أعمى البصر والبصيرة إلى هذا الحد من العدامة، ولا أن يكون حقد دول تحالفه وإجرام حكامها على اليمن الكيان والمكان والإنسان والعمران، قد بلغ بهم مبلغ الوحوش غير الآدمية، وأنه سيقصفهم وينشد قتلهم وتشريدهم.
باتوا الآن يدركون أكثر، مثلما يوقنون بزيف أدعياء “المدنية” ودعاة “السلمية” ووكلاء “حقوق الإنسان” الآدمية. لم ينتفض أي منهم لا أكترثوا لهذا الجرم العلني الثابت وكفره البائن بالإنسانية والشرائع السماوية، ورددوا كعادتهم: كانت ضربة موفقة لمخزن أسلحة أعداء الإسلام والعروبة والشرعية!!.
سقطت إذاً ورقة أخرى من أوراق تواري عبثاً سوءات تحالف الإثم والعدوان على اليمن، وسقطوا معها قيمياً وأخلاقياً وإنسانياً، فيما ارتفع اليمن أكثر، في مراتب الحق وشرف المنافحة عنه، وعزة الاصطفاف في صفه والصمود في طلبه وانتزاعه.
يعلم مكفوفو وصم وبكم العالم وأصحاؤه أجمع أن اليمن معتدى عليه ظلماً لا معتدٍ، لكنه عهر الساسة ونفاق المادة، جعلهم “صم بكم عمي لا يعقلون” وصاروا مصداقاً لقوله تعالى: “خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” [البقرة:7].