ضالتنا !!
سنختلف كثيرا لكننا سنتفق أخيرا أن الله أرسل لخلقه أجمعين قبسا من نوره، ورحمة من لدنه. لكن بعض البشر لا يزال يصر على حجب النور وصده، ومنع الرحمة وجعلها نقمة لا نعمة، ومحنة لا منحة، ونكبة لا فسحة، فقط ليعيش في بحبوحة سلطة وسبطة نعيم من اتجاره بكلام الله، وعلى حساب إحالة حياة البشر إلى جحيم حميم وظلام مقيم!!.
الرحمة الألهية للعالمين، كانت بعث رسول على خلق عظيم، يريد بالناس اليسر لا العسر، مبلغا ومبشرا ونذيرا، ومصدقا لما بين يدي الأولين، ومقوما لما أحدثه فيه المتشددون من قسوة ومشقة انحرفت عن رحمة حنان منان رحمان رحيم، مفهوما وروحا وجوهرا وأسبابا ومسالكا، قولا وعملا.
لا يزال هذا الاصرار على صد رحمة الله ونوره وإبدالهما قسوة وعتمة، شاخصا في مناحي الحياة، وليس أخره هذا الجدال في جواز الاحتفاء بذكرى مولد رسول الرحمة، محمد بن عبد الله، مبلغ الرسالة ومؤدي الأمانة وناصح الأمة ومزيح الغمة ومبدد العتمة، وقبل هذا وذاك موحد الأمة .
فعليا، “المولد النبوي” مسألة أبسط بكثير مما يجري تعقيدها، ولا تحتمل ما يجري تحميلها و”تفخيخها”، فلا أحد يزعم أن الاحتفاء به فريضة أو شعيرة دينية، حتى يطالب بإثبات جوازه بأدلة من الكتاب أو السنة النبوية، ولا وجه لأن تخندق اعتسافا بالحلال والحرام، فلا شيء حرمه الله إلا لمنع ضرر بائن يلحق الإنسان.
لا يعقل أن ينبري البعض إلى إنكار وتحريم ذكر الرسول وتذكر هديه يوم ذكرى مولده، ولا ينكر أو يحرم إهراق الدم وازهاق الأرواح الحرام وتدمير الأوطان!!. ما من ضرر قائم أو خطر داهم من الاحتفاء بمولد المبعوث رحمة للعالمين مبلغا ونذيرا وهاديا ومعلما، وما من منكر في تذكر سيرته العطرة وتذاكر مسيرته المطهرة وهديه القويم.
على العكس، نحن أحوج ما نكون إلى تذكر جوهر رسالة الرسول محمد وروحها وكيف بلغها: بأي نهج .. وبأي وسيلة ..ولأي غاية؟ .. كيف بدد العتمة وأزاح الغمة، ووحد الأمة على عبادة الله الواحد الأحد من دون أي وساطة أو كهانة أو طواغيت تعبد من دون الله، وكيف جمعها على رحمة أرسل بها، ومكارم أخلاق بعث لتمامها.
يظل الاحتفاء بذكرى المولد النبوي بنظرنا وغيرنا كثيرين، حاجة ماسة للأمة اليوم لا جنحة ماسة بمحور عقيدة الملة أو جوهر شريعة، ويبقى حقا لأي راغب، مسلما كان أو غير مسلم، كما يحتفي بأي عزيز عليه، له أن يحتفي كيف ما شاء، وأن يحتفل قدر ما يستطيع وألا يحفل بأحد لا يريد أن يشاركه الاحتفاء أو يبارك له الاحتفال.
لينظر كل متحفظ أو متحسس من الاحتفاء بذكرى المولد النبوي (!) إلى الأمر بوصفه من صميم الحرية الشخصية. لا أحد يجبره أو يمنعه من الاحتفال بذكرى ميلاد ابنه أو ابنته ولا الاحتفاء بذكرى وفاة أبيه أو أمه أو قريب له، ولا بذكرى الثورة أو الوحدة أو عيد العامل أو الشجرة أو “الفلنتاين” ولا أي عيد وأي مناسبة.
يتعين أن نتذكر جميعنا أن المصطفى محمد جاء مصدقا للرسل الأولين وبعثه الله تعالى رحمة للعالمين أجمعين لا لقبيلة أو عشيرة أو طائفة أو جماعة أو فرقة أو مذهب، وأن جميع العالمين لا المسلمين وحدهم ولا اليمنيين بمفردهم، مطالبون اليوم بالبحث عن “رحمة” بعث هذا الرسول الأمين.
لا يصح مطلقا أن تغلب على حياتنا قسوة وغلظة وفضاضة لم تكن من سمات رسول خاتم، نزعم جميعنا محبته واتباع هديه واقامة سنته. ينبغي أن نجسد رحمة بعثه من لدن رحمان رحيم، قولا وعملا، حالا ومآلا، وأن لا تظل “الرحمة” مجرد دثار أو شعار، ضده – مع الأسف – كل الأقوال والأفعال، على هذا النحو من الأهوال!!.
يلزمنا التشبث برحمة الإسلام، المقترنة بتمام مكارم الأخلاق من صدق وأمانة، نخوة وشهامة، مروءة وشجاعة، رفعة وكرامة، عزة وسيادة، ومودة ورحمة. وتذكر أن الله جعل دعوة رسوله قائمة على العدل واللين وحسن المعاملة، ومخاطبة العقل وشحذ التفكير، بالكلمة الطيبة والحجة المقنعة والموعظة الحسنة، والمصلحة العامة.
لا نحتاج مزيدا من التفريق، وليس لصالحنا مطلقا تمزيق نسيج المجتمع ولحمة الأمة، قدر حاجتنا الماسة إلى رتق الممزق وجمع المفرق، على الأقل في جبهة صد ما يهدد حاضرنا ووجودنا أجمعين من أخطار واقعة لا متخيلة، وأهوال بينة لا ظنية، قائمة بمحرضاتها وشاخصة للجميع بكارثياتها، في غير قطر عربي وإسلامي ملتهب.
هذه الحرائق التي تشعل وتوقد في كل قطر عربي وإسلامي، تسير كما ترون على النسق نفسه ووفق السيناريو عينه:بدايات ومسارات، محركات ودثارات، مآلات وتداعيات واحدة: دماء تسفك عبثا وأرواح تزهق إثما ومقدرات تدمر باطلا ونسيج يمزق كيدا وفتن توقظ دسا لتغذي صراعات عدمية دامية لمائة عام قادمة وتقوض آمال الأمة ونهضتها !!.
نحتاج بصدق للاهتمام بمعالي الأمور التي يحبها الله ورسوله، ويلزمنا بحق الترفع عن سفائف الأمور التي يكرهها الله ورسوله. فمن شاء ليحتفل بذكرى مولد رسول الرحمة والهدى ومن لا يشاء لا يحتفل. وخلصونا من هذا الجدال العقيم والسجال السقيم!.. وصل اللهم على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
alhakeem00@gmail.com