تقرير/ قاسم الشاوش
لم يكن العام 2015م الذي يشارف على الرحيل عاماً عادياً بل كان مليئاً بالمخاطر والمعاناة الإنسانية ومآسي المهاجرين وطالبي اللجوء من العرب والأفارقة عبر رحلة الموت والمخاطرة بحياتهم في البحر من أجل الوصول إلى أوروبا التي سعت الكثير من الدول الأوروبية إلى إغلاق الحدود وقطع سبل آمالهم وأحلامهم في البحث عن ملاذ آمن يصون لهم حياة كريمة هرباً من نار الحرب والقتل والدمار الذي يلتهم أوطانهم, فصورة الطفل السوري الذي تركت الأقدار رأسه متجها نحو البحر والهجرة وقدميه مسلطتين على بلاد الاستبداد والحروب والقتل كانت صورة صادمة للجميع ومؤلمة وموجعة أبكت العالم لكنها مثلت في حقيقة الأمر صورة بشاعة الهجرة ومآسيها للعام 2015م.
ففي عام 2015م وصلت موجة الهجرة إلى قلب أوروبا حيث تشير التقديرات إلى أن دول الاتحاد الأوروبي وبلدان الرابطة الأوروبية للتبادل الحر “إيفتا” ” “سويسرا النرويج, إمارة ليختتشتان وآيسلندا” سجلت ما مجموعه مليون طلب لجوء أما الوجهة الرئيسية فهي ألمانيا التي استقبلت ثلث اللاجئين خلال تسعة أشهر من 2015م.
وفي اليوم الدولي للمهاجرين الذي يصادف الـ18 من ديسمبر من كل عام دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دول العالم إلى تقديم استجابات متسقة وشاملة وقائمة على حقوق الانسان استناداً إلى القانون الدولي والمعايير الدولية والتصميم المشترك على ألا نترك أحدا وراء الركب.
وقال بان كي مون في رسالته بهذه المناسبة: سيذكر التاريخ أن سنة 2015م كانت سنة مليئة بالمعاناة الانسانية ومآسي المهاجرين, فعلى مر الاشهر الـ12 الماضية لقي أكثر من 5000 من النساء والاطفال والرجال حتفهم وهم يبحثون عن الحماية وعن حياة افضل وتعرض عشرات الآلاف منهم إلى الاستغلال والاساءة على يد المتاجرين بالبشر وتحول ملايين المهاجرين الى كبش فداء وباتوا هدفا لسياسات قائمة على كره الاجانب ولخطابات مثيرة للجزع.
ولكن سنة 2015م كانت ايضا السنة التي أكد فيها المجتمع الدولي أهمية مساهمة في المهاجرين بالتنمية المستدامة بحسب ما افاد الأمين العام.
وأصدرت الأمم المتحدة توجيهات ترمي إلى مساعدة الدول في التعامل مع المخاوف الأمنية ومع الحفاظ على حماية اللاجئين مؤكدة أنهما أمران لا يستبعد كل منهما الآخر.
وأشارت التقارير إلى أن قرابة نصف طالبي اللجوء الذي سعوا إلى الاحتماء في دول اوروبا عام 2015م يقدمون من ثلاث دول تمزقها الصراعات والحروب هي سوريا والعراق وافغانستان وتركزت النقاشات بالدرجة الأولى في اوروبا على اللاجئين السوريين وهم الأكثر عددا من دون شك ولكنهم بالتأكيد لا يمثلون الفئة الوحيدة التي سجلت زيادة ملحوظة, فعدد العراقيين تضاعف أربع مرات مقارنة بالعام 2014م في حين زاد عدد الأفغان إلى ضعفين ونصف.
وبينما تواجه أوروبا تدفقا قياسيا للمهاجرين تجاوز حاجز الـ70 ألف شخص وهو العدد الذي سبق أن سجل في عقد التسعينيات لم تتأثر سويسرا إلا بصورة هامشية بالظاهرة ورغم أن كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية توقعت وصول 34000 مهاجر في نهاية العام 2015م أي بزيادة 10000 مقارنة مع العام الماضي فإن هذه الأرقام تظل أدنى من تلك التي سجلتها الكنفدرالية عام 1999م خلال حرب كوسوفو حيث استقبلت سويسرا حينها أكثر من 44000 مهاجر.
وقد أثارت الأزمة في أوروبا نقاشات ساخنة داخل الكنفدرالية لا سيما في سباق الحملة الانتخابية لتجديد البرلمان الفدرالي والتي ركزت بشكل رئيسي على قضية اللجوء.
وتحول البحر الأبيض المتوسط في عام 2015م إلى بوابة رئيسية أمام المهاجرين إلى أوروبا وذلك بعد أن توقفت السفارات عن إصدار التأشيرات وإغلاق جميع الطرق البرية وتحصينها بالجدران والأسلاك الشائكة هو ما جعل أكثر من 90 ألف شخص يخاطرون بحياتهم في عرض البحر وهو تطور غير مسبوق وزيادة أربعة أضعاف عن الرقم الذي سجل في العام 2014م.. ووفقا للبيانات الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإنه لقي أكثر من 3580 شخصا مصرعهم خلال محاولة العبور.
وفيما واصل الأفارقة سلوك مسار جنوب البحر الأبيض المتوسط وهو الطريق الذي يربط ليبيا وتونس بإيطاليا فتح المهاجرون السوريون والأفغان طريق البلقان من تركيا إلى الجزر اليونانية التي يعبرها أكبر عدد من المهاجرين في الوقت الراهن, وقد فاجأ هذا التدفق غير المتوقع للمهاجرين معظم البلدان إلا أنه ساهم في إضفاء بعد أوروبي على قضية اللجوء بحيث لم تعد تقتصر أساساً على إيطاليا.
وفي شهر سبتمبر من العام 2015م وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على توزيع (160000) مهاجر على أساس طوعي على مدى العامين المقبلين.
ووفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين يعيش 86% من اللاجئين في العالم, أي (12.4) مليون في نهاية 2014م في أحد البلدان النامية أو الصاعدة في الوقت الحاضر تستقبل تركيا وباكستان وإيران ولبنان والأردن وأثيوبيا نصف اللاجئين السوريين تقريباً 45%.
إلى ذلك كشف البنك الدولي أن اعداد المهاجرين في العالم سجلت أرقاماً قياسية في عام 2015م, مشيراً في تقرير له إلى أن الهجرة بين دول الجنوب في ما بينها تمثل 38% من إجمالي عدد المهاجرين في العالم, في حين تمثل الهجرة بين دول الجنوب ودول الشمال 34%.
وبذلك يبدو أن العام 2015م يعد الأسوأ في تاريخ الشعوب العربية, خاصةً التي تعيش أوطانهم صراعات وحروباً مفتعلة وممولة من الخارج لزعزعة أمنها واستقرارها وتشريد أبنائها.
Next Post
قد يعجبك ايضا