حي الكويت يعيش يوما◌ٍ مأساويا◌ٍ


كتب/ محمد محمد إبراهيم –
كل شي على ما يرام¡ المركبات تعبر الشارع المؤدي إلى القادسية مارة من غرب مستشفى الكويت¡ بائع الخضار يمارس عمله اليومي الذي يسبق الظهيرة¡ وصاحب محل مستلزمات الأطفال ينتظر زبائنه¡ بينما مكتب السفريات الجديد على الشارع يؤدي عمله ككل يوم.. النساء داخل المطابخ تجهز وجبة الغداء بأمان◌ُ كالمعتاد¡ والأطفال يتأهبون للخروج من المدارس.. وسوق البياضي غرب مستشفى الكويت يعج بالناس.. رفع المؤذن صوته بـ(الله وأكبر) معلنا◌ٍ دخول وقت أذان الظهر.. دوى صوت اصطدام مرافق لـ(وريص) كأن طائرة فتحت مضخم الصوت على مقربة من الرؤوس¡ التفت الناس والعابرون فجأة في الشارع¡ صوت كالصاعقة يرعش الحارة بأسرها¡ وأمام بقالة طرابلس تقف طفلة تنظر بدهشة¡ إلى كتلة حديد تخرج من مكتب السفريات والسياحة وتجتاز الشارع جنوبا◌ٍ مرتطمة بأربع سيارات مارة في الشارع بالاتجاهين.. الكتلة تحمل معها بقسوة وجحيم تلك السيارات إلى بوابة العمارة المقابلة.. كل ذلك على ب◌ْعد 80 مترا◌ٍ من الطفلة التي صرخت لحظتها حتى كادت تفارق الوعي..
ما الذي حصل ¿ سؤال أشعل الشارع والبيوت فجيعة◌ٍ وخوفا◌ٍ من الخ◌ِسúف.. إنها طائرة الموت تدخل المطابخ خاطفة أرواح النساء والأطفال على حين غرة من طاقم طائرة هو الآخر محكوم بنفس المصير.. هذه المرة لم يكن السوق فارغا◌ٍ بعد حرب◌ُ ضروس¡ بل كانت المنازل تعج بالحياة وروائح الطعام لحظة ترنح طائرة حربية من طراز سوخوي 22 روسية الصنع على حي الكويت حيث ارتطمت بالدور الثاني لتنسف مطبخ البيت وتكشفه للملأ في صورة من الرعب¡ واصلت اتجاهها جنوبا◌ٍ دخولا من الجدار الخلفي لمكتب للسياحة -افتتح من قريب على ذلك الشارع وفيه موظفات غاب مصيرهن بين الموت والإصابة البالغة¡ تواصل طائرة الموت طريقها مجتازة الشارع صوب الواجهة الأمامية للعمارة الأكثر تضررا◌ٍ¡ حيث وتدمر الواجهة موغلة بسيارتين إلى الداخل ليشب الحريق ويعلو انفجار اسطوانة الغاز من المطابخ.. وتشب بعدها حرائق الفجيعة في المنازل والشارع بين جحيم الخوف يجتاح البيوت والأسر الآمنة.. لتكون الحصيلة أكثر من عشرة قتلى وأكثر من 18 جريحا على حد التقريب..
بين منزلي وبين المنازل التي أصابتها الطائرة ما يقل عن 300 متر¡ وهو ما أصابني بالذعر حين سمعت الخبر¡ فانطلقت مجنونا◌ٍ إلى البيت لأدخل الحي على يوم مأسوي تعيشه حارة غرب الكويت قرب القادسية.. والكارثة الكبرى أن أمة لا تحصى ولا تعد .. فلم أستطلع الوصول إلى مكان الطائرة فاضطررت إلى التواصل بمن أعرف من الجيران لاستجلاء اللحظة التي سقطت فيها الطائرة.. يقول شاهد اللحظات الأولى بعد السقوط حسن حسين معاذ: لم أكن أعرف ساعة للوقت¡ لحظة الانفجار¡ خرجت مهرولا◌ٍ إلى الصوت لأطل من باب منزلي البعيد عن مكان الحادث ما يقل عن 120 مترا على أعمدة الحرائق والدخان¡ فانطلقت◌ْ قبل أن يأتي أحد من النجدة أو الإطفاء أو حتى الجيران¡ وأول عمل قمت به محاولة انتشال بعض الجثث من السيارات والمنزل الذي استقرت الطائرة فيه قدر الإمكان¡ وحين جاء وايتان للماء ( من الحارة جيراننا – البشيري – وأحسن البياضي) شرعنا ومن كان معي بإدخال ليø المياه إلى حيث النار في المنازل¡ وأصحاب الوايتات شغلوا المواطير للضخ.. وانطلق الجميع ينتشل الجثث¡ شاهدت بعيني خمس جثث متفحمة لنساء¡ وشاهدت أجسادا قد احترقت وبان بياضها من طاقم الطائرة والسيارات التي احترقت في الشارع وأحد المارة..
وأضاف حسن حسين معاذ: أكبر عائق أعاقنا من الإنقاذ وأعاق جهود الدولة وأجهزة الأمن هم الناس الذين لم يراعوا مشاعر وألم أحد¡ ولم يسمعوا أي نداء فالكل يريد يشاهد.. التفت إلى الساعة فوجدت الوقت يقترب من موعد خروج ابنتي من المدرسة فصعقت خوفا◌ٍ عليها وذهبت للبحث عنها..
أحسن البياضي صاحب وايت الماء هو الآخر منقذ وشاهد عيان وثاني شخص يصل بوايته إلى مكان الحادث .. يقول أحسن البياضي: من الصدف أن الوايت كان معبأ وجاهزا وأنا قريب من المكان.. حيث أسكن في نفس الحارة عندما شاهدت أعمدة الدخان بعد الصوت هرعت إلى المكان¡ وشغلت الماطور والناس تتبادر نحو المكان.. لم أعلم من حمل (اللي) إلى داخل المنزل المحترق.. أهم ما في الأمر إني شغلø◌ِت مضخø◌ِة الماء لأحاول إطفاء النيران¡ وذهبنا ننقذ الجرحى وننتشل الجثث..
وقال البياضي: للأسف الشديد حتى سيارة الإطفاء الأولى وصلت بلا ماء فاضطررت إلى تعبئة خزانها بما تبقى معي¡ لكني اكتشفت حين سحبت (اللي) أن معظمه محترق تماما◌ٍ..
الكارثة الكبيرة أن قوات الأمن والنجدة والإسعاف لم تدر ما تواجه¡ زحام الناس أم تنقذ من في المنازل¡ إلى درجة اضطرارها إلى إطلاق النار في الهواء¡ وتصويب خراطيم المياه صوب الناس الذين لم يفهموا ولم يعوا حجم الكارثة..

قد يعجبك ايضا