مناهج ملغمة
أمة الرزاق جحاف
ذات مساء, وبينما أنا أهم بمغادرة البيت , سمعت دقات مترددة خجولة على باب بيتنا, كانت الدقات توحي بأن للطارق حاجة يتردد في طلبها, وأني إذا لم أسرع في الاستجابة سيغير رأيه ويمضي.
أسرعت للباب مستفسرة …. من ؟ جاءني رد خافت .. جارتكم .. امتدت يدي إلى مغلقة الباب تفك ارتباطها.
كانت الجارة تقف أمامي بقليل من الأرتباك, وبيدها أحد الكتب المدرسية . لم نكن نعرف بعضنا كثيراً, فقد كانت جارة جديدة سكنت الحارة مؤخراً, خطت جارتي إلى داخل الحوش بخجل, قائلة: هل لي يا أستاذة في دقائق من وقتك؟ أشرت لها بالدخول, وأنا أردد كلمات الترحيب المعتادة , وما إن جلست بجواري , حتى بدأت حديثها متلعثمة تشرح سبب مجيئها, وشيئاً.. فشيئاً بدأ يسكن اضطرابها.. أستاذة , أنا محتاجه للاستعانة بك لإيصال صوتي, وصوت كل من يخشى على الجيل القادم من نتائج هذه الثقافة المغلوطة التي يعلمون بها أولادنا في المدارس .
في الحقيقة نكأت كلماتها مكامن جرح غائر في أعماقي, أشعر بألم وخزاته, منذ أن بدأ الفكر الوهابي يعيث فساداً في ثقافتنا, ويشكلها بالطرقة التي تخدم أهدافه المدمرة لكل ثقافة وطنية أصيلة . واصلت الجارة حديثها قائلة: وإذا كنت يا أستاذة غير مصدقة لكلامي إقرئي هذه الفقرة في أول درس في هذه الكتب , وأخرجت من حقيبة يدها كتاباً ناولتني إياه. كان كتاباً مدرسياً، كتب على غلافه الخارجي (الإيمان.. للصف الأول الثانوي) فتحت أول درس فيه ولاحظت أنها كانت قد وضعت بعض الخطوط تحت الفقرة التي تريدني أن أقرأها.. وقرأت.. (والأصل أن الأديان السماوية واحدة في أصولها العقائدية، وإن اختلفت تشريعاتها باختلاف أزمنتها (ص9) بصراحة.. أنا طننت، ماذا يعني أن التشريعات الدينية تختلف باختلاف الأزمنة؟ هل القصد مثلاً أن تشريع عقوبة السارق أو القاتل، يختلف من دين إلى دين، ويختلف من زمان إلى الزمان.. هذا كلام خطير فعلاً، يفسر لنا لماذا الفتاوى الدينية تتغير دائماً من حين إلى حين لنفس الموضوع، مثلاً في عام 1993م أصدر الزنداني فتوى تحرم مشاركة النساء في الانتخابات لا ناخبة ولا مرشحة وفي انتخابات 1997م وعندما أحس الإصلاح بحاجته إلى الأصوات النسائية أطلق الزنداني فتوى تسمح بمشاركة المرأة ولكن كناخبة!!
وقلبنا الصحفة التالية ص 10 لنقرأ فيها الأديان نوعان
أديان سماوية وهي:
أديان بشرية وعرفها بأنها التي وضعها البشر لأنفسهم وعبدوها وذكر أنها مثل البوذية والهندوسية والمجوسية ثم ختم الفقرة بجملة (وأي تشريعات وضعية وأنظمة بشرية) وأعتقد أن هذه الفقرة تحديداً تفسر لنا تلك الحملة الشعواء التي قادها الإصلاح ضد دستور دولة الوحدة ومواده التشريعية.
كانت جارتي تحدق بي تنتظر رأيي، وأنا في أعماقي أفكر فيها مسكينة هذه الأيام أصابتها هذه الفجيعة كلها بمجرد أنها ذاكرت لابنها ورقة واحدة من المنهج.. هذا ونحن لا نزال في بداية العام فما بالكم لو توغلت في دروسه أكثر ما الذي يمكن أن يحدث لها ولغيرها من الأمهات والآباء القلقين من نوعية التعليم الذي يتلقاه أبناؤهم وخطورته على تشكيل وعيهم المعرفي وخطورة انعكاسه على مستقبل الوطن.