عادل بشر
مأساة من نوع آخر نعرضها في هذا العدد بطلها امرأة في الحادية والعشرين من عمرها التقيناها في إحدى جلسات محاكمتها بتهمتي السرقة والزنا.. ورغم اعترافها الصريح بارتكاب هاتين الجريمتين وحقيقة التهم المنسوبة إليها إلا أنها كانت تردد بصوت مسموع ( لست مجرمة وإنما ضحية).
ما هي حكاية هذه المرأة وضحية من هي؟ هذا ما سنعرفه في الأسطر التالية:
تنحدر الفتاة (لينا) من أسرة ريفية مكونة من ابن ذكر وثلاث إناث ويتوارث أفراد أسرتها مهنة الزراعة منذ زمن طويل وعلى هذا يعيشون ونظرا للعرف السائد في بعض المناطق الريفية اليمنية بأن التحاق الفتيات بالمدرسة يعتبر عيبا وأمراً مرفوضاً تماما فقد حُرمت لينا وأخواتها البنات من حقهن في التعليم والدراسة وكان هذا أحد أسباب ارتكابها لجريمة دون معرفتها بالجرم المرتكب..
لن نطيل في السرد وسننقل لكم مأساة هذه الفتاة كما شرحته لنا .. فحين أخبرناها أننا من الصحافة وسوف ننشر قضيتها للناس بدون ذكر اسمها الحقيقي رحبت بذلك بل انها سٌرت آملة إن يعتبر أرباب الأسر من قصتها ولا يتكرر ما حدث لها مع بناتهم..
وبحسب لينا فقد بدأت مأساتها منذ طلاق والدتها وزواجها من شخص آخر, حيث تغيرت أحوال الأب كثيرا وأصبحت معاملته لها أكثر قسوة من سابق ..
كانت لينا هي الابنة الوحيدة التي لم تتزوج بعد وكان لديها صديقة تكبرها بسنتين وكانت هذه الصديقة تأتي لزيارتها في المنزل بشكل مستمر وخصوصا بعد طلاق والدتها وفي احد الأيام اكتشفت لينا إن والدها على علاقة محرمة مع هذه الصديقة فأرادت معاقبتهما وحاولت الاعتداء عليهما بضربهما بالفأس حين كانا مجتمعين في غرفة أسفل المنزل تستخدم للحيوانات .. استطاع الأب اخذ الفأس من ابنته وقام بضربها وطردها من المنزل .
لم تجد لينا مكانا تذهب إليه غير منزل عمها شقيق والدها وكان هذا العم على عداء مستمر مع والد لينا لذلك حين جاءت إليه الفتاة لم يكن العم أرحم من والدها فاستقبلها بالطرد من بوابة المنزل قبل حتى تدخله وقال لها (لا أريد مشاكل مع والدك اذهبي إلى والدتك).
انطلقت لينا باتجاه السوق القريب من القرية وقامت بالاتصال بوالدتها التي تسكن في المدينة مع زوجها الجديد وأخبرتها بما حدث عل وعسى تجد مكانا صغيرا في القلب الرحيم يضمها ويأويها من التشرد ولكنها هي الأخرى تخلت عنها ورفضت انتقالها للعيش معها بحجة أن زوجها لن يقبل بذلك.
اسودت الدنيا في وجه الفتاة وضاقت عليها الأرض بما رحبت بعد أن تخلى الجميع عنها بما في ذلك شقيقها الوحيد الذي لا يقوى على الاعتراض على كلام زوجته .
لجأت لينا إلى إحدى صديقاتها في القرية الأخرى وبقيت عندها بضعة أيام تعرفت خلالها على شاب من القرية أمال دماغها بكلامه المعسول واقنعها بأن تتزوجه سرا وينتقلا للعيش في المدينة ..
كان هذا الشاب يعرف إن الصديقة التي تسكن عندها لينا متزوجة بأحد المغتربين في الخليج ولديها مجوهرات ومصوغات ذهبية أكثر من نساء الحي جميعهن.
بعد أن تأكد الشاب أن لينا أصبحت متعلقة به كثيرا وقابلة لفكرة الزواج منه والانتقال إلى المدينة طلب منها أن تسرق مجوهرات صديقتها حين تكون نائمة منتصف الليل ويفران إلى المدينة فيختفيان في زحامها.. حاولت الفتاة رفض هذا الطلب ولكن الشاب كان على قدر من المراوغة والمكر واستطاع إن يقنعها بذلك مؤكدا لها أن صديقتها لن تغضب كثيرا كونها زوجة رجل ثري وسيعوضها عما سُرق..
في صباح احد الأيام استيقظت الصديقة ولم تجد لينا في المنزل فاعتقدت أنها ذهبت لجلب الماء ولكنها سرعان ما اكتشفت أن مجوهراتها مسروقة فخرجت تصرخ بأعلى صوتها وتستغيث بالجيران للبحث عن الفتاة ولكنها لم تكن تعرف أن لينا وعشيقها في تلك اللحظة كانا قد وصلا المدينة وبدآ بالبحث عن محل مجوهرات لبيع المسروقات.
بعد بيع المسروقات والحصول على مبلغ مالي كبير قام الشاب باستئجار شقة صغيرة في حارة بسيطة واحضر ورقة مكتوب عليها وطلب من لينا أن (تبصم) باصبعها اسفل الورقة التي قال أنها عقد زواج بينهما وانهما بذلك أصبحا زوجين شرعيين..
لم تكن لينا تستطيع القراءة حتى تعرف المكتوب في الورقة وكانت الأمية مسيطرة عليها بشكل تام حتى فيما يتعلق بأمر الزواج والطلاق.
وبعد بضعة أشهر من العلاقة المحرمة بدأت ثمرة تلك العلاقة بالظهور على بطن الفتاة ثم جاء المخاض فكانت الولادة متعسرة مما اضطر الشاب إلى نقل لينا إلى المستشفى وهناك شاءت الأقدار إن يشاهده أحد أبناء القرية التي فر منها مع الفتاة وظل هذا الشخص يراقبه حتى بعد الولادة وخروجهما من المستشفى إلى أن عرف مكان سكنهما ثم عاد إلى القرية وابلغ أسرة الصديقة المسروقة بهذا الأمر ومن خلال التنسيق بين أجهزة الشرطة في الريف والمدينة وبناء على معلومات هذا الشخص تم القبض على لينا وزوجها المزعوم..
أثناء التحقيق مع لينا اعترفت بأنها قامت بسرقة صديقتها بطلب من زوجها وحين سألتها النيابة حول كيفية زواجها من هذا الشاب أخبرتهم لينا بكل التفاصيل لتفاجأ حينها بجريمة أخرى تضاف إلى جريمة السرقة وهي جريمة الزنا وفي الأخير وجدت لينا نفسها مع وليدها في السجن كما تم سجن الشاب الذي أصبح زوجا رسميا لها بعد أن قامت النيابة بعقد قرانهما وتزويجهما بعقد شرعي.