الدين والحياة /محمد المصباحي –
بقيت أمل في انتظار «الأمل» من القاضي ليحكم لها بالطلاق من زوجها «أحمد» الذي يكبرها بما لا يقل عن 50 عاما وهي لم تزل في العاشرة من عمرها.
ومع أن معيشة «أمل» اختلفت عما كان في بيت والدها كزوجة «ارستقراطية» تعيش حاليا بين الخدم والحشم والأثاث الفاخر والسيارات المرفهة إلا أنها لم تجد الراحة النفسية حسب قولها فأرشدتها إحدى صديقاتها بالتوجه إلى المحكمة لينظر القاضي في وضعها.
قصة أمل وأمثالها من الصغيرات تحولت في زمن قياسي إلى «ظاهرة» بسبب حب التمتع من الأزواج وتطلع الآباء إلى المال والضحية هن «أمل» ومن على شاكلتها من الفتيات الصغيرات حتى أصبحت أروقة المحاكم لا تخلو من قضية يومية على الأقل عند كل قاضُ داخل المحكمة الواحدة.
الظاهرة التي أصحبت قضية رأي عام رفضها المجتمع وقاومها بصوت عال كما يوضح ذلك المحلل النفسي ومستشار العلاقات والشؤون الأسرية والمجتمعية الدكتور هاني الحميدي الذي أشار إلى أنها «ظاهرة عانت منها العديد من المجتمعات العربية والإسلامية بحجة أن تزويج البنت القاصر هو نوع من أنواع العفاف والحصانة وتخلص من مسؤولية الشرف حسب وجهة نظر البعض من الآباء».
زواج الغبطة
الكثير من البلدان وضعت حدا من زواج الصغيرات وغالبا ما ترجع في قوانيها إلى بلوغ الفتاة الحلم وهو ما يؤكده أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبو بكر باقادر إذ أوضح أن تلك القوانين «عادة ما ترجع في تحديد البلوغ إلى الاكتمال الجسماني والقدرة على الإنجاب مع عدم إغفالها الناحية القانونية كأن تكون الفتاة قد بلغت الحلم» مشيرا إلى أن «البلوغ في معظم بلدان العالم ليس تقديريا بل يجعلونه في سن الثامنة عشرة فما فوق».
وتتفق القوانين الدولية في الوقت المعاصر مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية قبل 14 قرنا وهو ما يبينه أستاذ الفقه المقارن في قسم الدراسات العليا الدكتور صالح بن غانم الذي يؤكد أن «الشريعة الإسلامية لا تحتاج للمنظمات الحقوقية لتقنين العمر لزواج الفتاة فهو مقرر شرعا».
وأكد الدكتور بن غانم أن «الفتاة غير البالغ ليس لوليها أن يزوجها حتى تبلغ وترضى مع أن بعض العلماء استثنوا الأب في تزويجها دون سن البلوغ إذا كان ذلك من يتقدم لها للزواج «غبطة» أي لن يتقدم بعده أفضل منه لكنهم اشترطوا عدم الدخول بها إلا بعد بلوغها سن الرشد بشرط أن تستشار فإذا وافقت يمضي العقد وإذا رفضت فهذا من حقها» موضحا أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ يعد «زواج غبطة» لأن الزواج من النبي عليه الصلاة والسلام فرصة لا تضيع.
طلاق مبكر
ويعلق أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبو بكر باقادر على حديث الدكتور بن غانم بتوضيحه أن «بعض العلماء يرون أن ولي الأمر يستطيع أن يعقد نيابة عن وليته إذا كان مخولا بذلك شرعا لكن المجتمعات الإنسانية تؤكد أن الظروف والملابسات والأوضاع الاجتماعية والظروف النفسية والصحية تقتضي أخذ الحيطة والحذر خاصة أن أعباء ومسؤوليات الزواج تقتضي نوعا من النضج وليس المسألة فقط إجراء قانوني أو شرعي والفتاة قاصر وغير قادرة على اتخاذ العديد من القرارات خصوصا العاطفية منها» مبينا أن «الكثير من الناس يرون أن القاصر ليس لها الحق في إبداء رأيها في زواجها فولي أمرها هو من يتخذ القرار فتجد لديها نظرة تخوف من هذا الزواج» داعيا إلى النظر إلى المجتمعات المتساهلة في هذا الأمر حتى أصبح هناك أمهات قاصرات ولديهن الكثير من المشكلات.
وطالب باقادر الأولياء بتحقيق الحد الأدني من الاطمئنان إلى حياة ناحجة في الزواج المبكر مشيرا إلى أن بعض الدراسات أثبتت أن زواج القاصر قد يؤدي إلى طلاق مبكر لعدم نضح الفتاة وضعف القدرة على التصرف والسلوك لما له من تبعات سيئة على الأطفال.
انحدار عكسي
وبالعودة إلى الدكتور هاني الحميدي للحديث عن الآثار النفسية للزوجة القاصر فيوضح أن تلك الصغيرة «لا تستطيع أن تفهم الواجبات والمتطلبات الزوجية نفسيا وعاطفيا فتتحول الممارسة عند بعضهن إلى تعذيب جسدي يفوق التحمل مما يؤدي إلى عدم الوصول إلى الإشباع الفطري لديها فتتأثر الذات لديها ويؤدي ذلك إلى فقدان الإحساس بالأنا وتبقى تبحث بشكل مستمر عن طرق للتخلص مما هي فيه من عذاب نفسي شديد بالهروب أحيانا أو ربما يصل الأمر لدى البعض إلى التفكير في الانتحار وإنهاء حياتها التي فقدت المعنى الكبير لها حسب عقلها وتفكيرها وما تعيشه من وضع يفوق تكوينها النفسي الذي مازال في طور النمو ولم يصل بها بعد إلى الجاهزية النفسية والعقلية التي تسمح لها بتداول أمور العاطفة والجنس بالشكل الذي يتناسب مع التطور في شخصيتها حينما تبلغ السن الذي يبدأ فيه الجسد والعقل والنفس بطلب التفعيل لهذه الجوانب في العمر الصحيح» مشيرا إلى أن بعضهن يذهبن إلى «الانطوائية والتقوقع أو الدخول في حالات اكتئاب مزمن جراء تحمل مسؤوليات الحمل والولادة في سن مازالت فيه لم تخرج من مرحلة الطفولة لتواجه مسؤوليات تفوق خبراتها في التعامل مع أمور وواجبات ومسؤوليات كبيرة منها: روح مولود هي المسؤولة بشكل مباشر عن التعامل معه بما يبقيه حيا» مؤكدا أنه «بسبب تحمل تلك المسؤوليات تفقد تلك صغيرة الإحساس بالأمان وتتردد في اتخاذ ما يناسب من قرارات حيال تلك المسؤوليات لعدم وجود الثقة اللازمة للتعامل مع هكذا مسؤوليات مما يؤدي أحيانا إلى حصول أخطاء تتسبب في فقدانها لحياة طفلها على سبيل المثال أو التسبب في حصول عاهة له بسبب عدم الدراية أو الإهمال غير المقصود وبالتالي تعلق تلك الحادثة في عقلها الصغير مما يجعلها تعيش عذابا مستمرا من تأنيب للضمير وإسقاط المسؤولية على نفسها».
رفض الظاهرة
أما فضيلة الشيخ يحيى النجار رئيس مؤسسة الإرشاد الاجتماعي فيرفض مقارنة زواج الصغيرات المنتشرة في الفترة الأخيرة بزواج عائشة رضي الله عنها من النبي صلى الله عليه وسلم وهي في التاسعة من عمرها مبنيا أن أبا بكر رضي الله عنه عندما أراد أن يزوج عائشة لم يجد أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم لتزويجها ابنته مشيرا إلى أنه «لا يمكن أن يقاس تزويج الأطفال اليوم بزواج أمنا عائشة رضي الله عنها لعدم تطابق الشروط والمناخ».
وأكد النجار أن زواج الأطفال أو الصغيرات تترتب عليه مضار نفسية واجتماعية مطالبا العلماء والدعاة القيام بواجبهم بالنصح والتوعية بخطورة مثل هذه الزيجات والمضار العديدة المترتبة عليها والتي تؤدي إلى تقويض بناء الأسر المسلمة. موضحا أنه «ينبغي لأولياء الأمور أن يتقوا الله في أطفالهم ولا يقدموا على تزويجهم وهم ما زالوا صغارا لأن الزواج مسؤولية ومن الخطأ تحميل الطفلة مسؤولية أكبر منها وبالتالي تترتب على هذا الزواج مضار نفسية واجتماعية عديدة لذلك ينبغي أن تؤجل الزيجة حتى تبلغ الزوجة وتنضج عقليا وبدنيا وتستطيع تحمل المسؤولية».