علي الريمي
بات من الواضح أن التدخل الروسي المكثف في الحرب الجارية ضد الإرهاب ـ عموماً ـ وضد تنظيم “داعش” على وجه التحديد في سوريا قد نجح في سحب البساط من تحت أقدام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الذي كان قد تم تشكيله منذ قرابة العام وضم في عضويته أكثر من (60) دولة من مختلف قارات العالم، حيث روج هذا التحالف (الستيني) الذي تقوده أمريكا بأنه سيضطلع بمهمة محاربة ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق والشام المعروف اختصاراً باسم “داعش”’, إلا أن المعطيات ـ على الأرض ـ أثبتت أن هذا التحالف العريض لم يحقق ذلك التأثير الذي كان متوقعاً منه حتى في الحد من تمدد التنظيم الإرهابي، ناهيك عن القضاء عليه كلياً.
فمنذ بدء التحالف عملياته الجوية، ظل تنظيم “داعش” يواصل انتشاره بشكل سريع، بل ويمضي في السيطرة على المزيد والمزيد من المدن والمحافظات في العراق ثم في سوريا، ويبدو أن التنظيم يسير في اتجاه التمدد ـ ربما ـ في أجزاء ومناطق في دول أخرى، لعل أحدثها الإعلان ـ مؤخراً ـ عن ظهور خلايا “داعشية” في كل من لبنان وفلسطين.
وأمام هذا السيناريو (الهزلي) كان ولا بد أن يخرج القيصر الروسي عن صمته ويتحرك ميدانياً ـ هذه المرة ـ ليعلن رسمياً عن تأسيس تحالف رباعي مع كل من (سوريا ـ إيران ـ العراق) قد يلتحق به أعضاء (دول) جدد في وقت لاحق، ليقوم التحالف الجديد بقيادة (الدب الروسي) بدوره ـ هو الآخر ـ في المعركة ضد “داعش” وهي الحرب التي دشنتها الطائرات الروسية في الثلاثين من شهر سبتمبر الماضي، تلتها مشاركة الاسطول البحري الروسي في قصف أهداف ومواقع “داعشية” على الأراضي السورية من خلال الصواريخ (الموجهة) من السفن والبوارج الروسية الراسية في مياه بحر قزوين (أي على بعد 1500) كيلو متر من الأراضي السورية، علماً بأن سلاح البحرية الروسية يمتلك اسطولاً من السفن والبوارج في مياه البحر الأبيض المتوسط القريبة جداً من سوريا، لكن الضربات الروسية الموجهة ضد “داعش” من بحر قزوين، حملت في مضمونها (_المكاني) رسائل أخرى لمن يهمه الأمر.
تحرك (أمريكي) خجول
ما إن بدأت معالم التدخل الروسي القوي في استهداف “داعش” ومقاره وتجمعات مقاتليه في جميع المدن التي تمدد فيها هذا التنظيم حتى جن جنون أمريكا التي تقود تحالفها (الفاشل) المكون من ستين دولة، قيل أنه تشكل لمحاربة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا والجنون الأمريكي المعترض على دخول روسيا على خط الحرب ضد “داعش” وصل حد الهستيريا، من خلال الحملات الإعلامية المشككة في حقيقة الأهداف الروسية وأنها تقصف “متعمدة” الجيش الحر التابع للمعارضة السورية التي تسميها أمريكا “المعارضة المعتدلة” وبعد أن فشلت الحملة الإعلامية التحريضية ضد التحركات الجادة والحقيقية للحملة الروسية ضد “داعش” وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى المنتشرة على الأراضي السورية حاول الأمريكان التلميح والتصريح بإمكانية خلق مشاكل ـ على الأرض ـ في وجه الطائرات الروسية التي تشن غاراتها اليومية المكثفة على مدار الساعة ضد أهداف ثابتة ومتحركة تابعة “لداعش” بناء على معطيات لوجستية واستخباراتية دقيقة جداً لكن كل ذلك لم يكن سوى رد أمريكي خجول، نتيجة لعدم القدرة الفعلية على إعاقة التحركات الروسية، أو إلحاق أي ضرر حقيقي بالطائرات الحربية التابعة للقوات الجوية الروسية.
ويمكن القول ـ إجمالاً: إن من المستحيل أن تقوم الإدارة الأمريكية بأي تصرف (عسكري) تجاه روسيا في مثل هذا التوقيت ـ بالذات ـ وفي ظل احتدام الصراع المتأزم في سوريا أو العراق وما قد يسفر عنه أي تحرك أمريكي عسكري ضد روسيا الاتحادية وفي حال تخلي الأمريكان عن ما تبقى لهم من بقايا (العقل) فإن أي عمل عسكري بين القطبين الأمريكي والروسي ـ حاليا ـ ليس سوى إعلان (مجنون) بقيام الحرب العالمية الثالثة ومن الساحة السورية.
آخر السطور
بحسب وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر فإن بلاده قد قررت ـ مؤخراً ـ (أي بعد الإنغماس الروسي في الملف السوري) زيادة أو تكثيف الضغط على تنظيم “داعش” فقط.. لا غير.
الوزير كارتر.. شرح طبيعة ذلك الضغط الذي تنوي الإدارة الأمريكية مضاعفته على التنظيم الإرهابي الذي يسيطر على أكثر من نصف أراضي العراق وسوريا، قائلاً: إن التحالف الذي تقوده بلاده ضد “داعش” سيعمل خلال الأيام المقبلة على توسيع الضغط على مقاتلي “داعش” وزيادة الطلعات الجوية (اليومية) لطائرات التحالف الستيني لاستهداف المزيد من مراكز انتشار عناصر التنظيم دون أن يُحدد أماكن تواجد تلك المراكز هل في سوريا أم في العراق.
وأشار وزير الدفاع الأمريكي إلى أن التحالف ـ ربما ـ يوسع من تلك الضغوط التي ما تزال بلاده تنوي ممارستها ضد “داعش” إن لزم الأمر عبر التحرك براً لقوات خاصة محدودة العدد ستقوم بمساندة المقاتلين التابعين للمعارضة السورية (المعتدلة) التي تسعى لإسقاط النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد.
وهي القوات التي تحظى برعاية (مفتوحة) من أمريكا ومعها دول عربية كقطر والسعودية وأخرى اقليمية مثل تركيا.
خلاصة القول.. يمكن القول أن زيادة الضغط (الأمريكي) على “داعش” ربما ينحصر في التقليل من عدد شحنات الأسلحة التي تصل إلى ي التنظيم، وقد يمتد الأمر إلى التخفيض من حجم مخصصات الإعاشة التي يتلقاها التنظيم (بكل سلاسة وسهولة) أما مسألة الحد من تدفق المزيد من الجهاديين القادمين من كل بقاع الكرة الأرضية بما فيهم الأمريكيون (رجالاً ونساء) للالتحاق “بداعش” فليس وارداً في برنامج زيادة أو تكثيف الضغط على مقاتلي هذا التنظيم الذي يتواجد في صفوفه ما يقارب الـ (25) ألف مقاتل يتوزعون على جنسيات أكثر من ثمانين دولة، علماً بأن تنظيم “داعش” ليس سوى نسخة مُحدثة وربما مُفرمتة من تنظيم القاعدة الذي تأسس بداية الثمانينيات في أفغانستان لمحاربة المد الشيوعي (السوفيتي) وصدرت فتاوى حديثة بضرورة الانضمام للتنظيم الجهادي “الداعشي” لمحاربة الغزو (الروسي) لسوريا حالياً.
Prev Post