يا زمن التوحُّش والعقوق ..!!
لسوء حظي مازلت أمارس رياضة التأمل الأسبوعي واليومي منذ تحويلنا الوحدة إلى كارثة وتحويل الديمقراطية إلى صنم والدولة إلى مجرد بقرة حلوب.. والسياسة إلى عدو للأخلاق.
* ومنذ بدايات الورطات التأملية كنت أقول وأنا أرى توالي عقود زواج الوظيفة العامة بالتجارة والبزنس.. يا جماعة ..”اليمن بلادنا” كما تقول الأنشودة “وعزها عز لنا” وليست فقط صالة انتظار..!!
يومها تدخل مقص الرقيب على غير عادته وفهمت أن المطلوب أن يستمر عقد النكاح بين المنصب الحكومي وبين البزنس.
* ومرت الأيام فإذا بالمراهنة على أن يكون في التعدد الحزبي والتنوع الإعلامي تصحيح للحال مجرد كذبة كبيرة أكدتها حقيقة أن وسائل الإعلام الحكومية والحزبية وحتى الأهلية منشغلة عن أوجاع الناس بالكيد السياسي ومتواليات (هذا من شيعتي وهذا من عدوي) حتى صح القول باستمراء موجهي رأي عام للعبة اختارت بأن لا تظهر من وسائل الإعلام غير ملابسها الداخلية.
وسبق ذلك التردي في الضمير الإعلامي الذي جرى شغل أقطابه باللقم تردي أحوال سياسيين وصل بهم الحال درجة المتاجرة بكل شيء حتى احتلوا أماكنهم في رصيف أي حاجة بمائة ريال.. ومن بعيد كان هناك من المنظمات المشبوهة من يجلب سياسيين وبرلمانيين وأعضاء مجتمع مدني ناشطين إلى مطابخ للأفكار وغسل الأدمغة، وإثارة الأحقاد، حيث يصير كل خارج عن قيم المحبة والتسامح والانتماء معهما بل وجديراً بالحصول على التقدير والجوائز ويستحق من الآخرين تقليده ومحاكاته..
* وبلد هذا هو حال مثقفيه ونخبه السياسية ووجاهاته الاجتماعية كان لابد وأن يشهد انتقال هؤلاء من مفهوم (وما الوطن إلا صالة انتظار) إلى مفهوم مغادرته فعلا, والجمع بين التحريض على تدميره وبين اعتبار ذلك عملا شرعيا وكأنهم يطبقون نظرية منظمات الانتقال ببعض البلدان إلى ثلاثية الفوضى والتوحش والهدم..!!
* وسبحان الله حتى الذين ملأوا الآفاق اليمنية ضجيجا طبلا وزمرا للحداثة والليبرالية انتقلوا إلى كل مربع بائس وكل موقف تعيس يرعدون ولا يمطرون غير قادرين على إجراء أي مصالحة مع أبجديات رد الدين لوطنهم الذي صرف عليهم دم قلبه فإذا هم ينظمون إلى أخوة يوسف وهم يقولون (اقتلوا يوسف أو أطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) ومعاذ الله أن يكون في القتل والحقد والشراكة في التدمير أي علاقة بالصلاح.
* والسؤال هل هي تربية الأغراب الأوغاد الذين ضربوا منظومة القيم واستهدفوا النخب قبل غيرهم..؟ سأستحضر هنا نظرية المؤامرة وأقول: هل أسقطنا موروثنا التربوي والأخلاقي وأخذنا من علومهم فقط ما قاله “سبوك” بأن المراهق الذي لا يتمرد هو مراهق خامل وبأن الولد الذي لا ينظر إلى والديه بعيون اكتشاف عيوبهم هو ابن ضحل التفكير وبأن الولد لا يعترف بوالديه إلا بعد خمسة وعشرين سنة من عمره..!! انتهى كلامه ليبدأ استحضار العقول “موت يا حمار”..!! فنحن في زمن عقوق الأبناء والآباء والأوطان.
* نفس أولئك الأغراب الأوغاد من حرضونا على التخلص من دور انقطاع العام وألغوا وظائف الدولة وأوكلوا مهمة التنمية إلى ما هو رأسمالي ثم قالوا لنفس رأس المال: لا تنسى “رأس المال جبان” وليذهب إلى أرصفة التسول.
* واللهم لا دهشة ولا استغراب فللغرب ديمقراطيته وله حقوق لإنسانه فيما لا يغلب في علاقته بالبلدان النايمة إلا مصالحه في النفط وإسرائيل وتحريك مصانع السلاح حتى أن رفض الولايات المتحدة للانسجام مع مبادئها وما تدعيه من القيم والحريات عندما يتعلق الأمر بالآخر المتخلف صار ديدناً حيث القوى التي تحكم الكرة الأرضية لا تخشى من ممارسة الاستغباء وتدمير البلدان المنكوبة بعقوبة أبنائها والإيغال في سرقة كل شيء.. جهاراً نهاراً
* حسن الكشري
كما هو حال الأشجار عندما تترجل واقفة.. غادر حياتنا الزميل حسن الكشري بعد خمسة وثلاثين عاما من العمل المتواصل داخل مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر .. كان “عم حسن” كما كان يدعوه حتى من هم أكبر منه سنا مثلا للموظف المحترم الذي يقدس العمل ويتألم لكل مظهر من مظاهر العبث والترهل.
رحمك الله يا حسن الكشري.. وحسب كل من أحبك إدراك أنه ليس لقضاء الله من دافع .. وليس لعطائه مانع.. ودائما.. البقاء لله.