اليمن.. فرصة انطلاق الدبلوماسية المصرية

أمير إبراهيم
تتصاعد وتيرة الأحداث في اليمن يوما تلو الآخر، خاصة بعد أن دخلت غارات التحالف الذي تقوده السعودية شهرها الثامن على التوالي، وهو ما يتطلب من القاهرة تحركا يتناسب مع حجم وانعكاسات الأزمة على مصر، لا سيما وأن اليمن تقع في صلب المجال الاستراتيجي للقاهرة، وأي تغيير يطرأ على صنعاء سوف ينعكس سلبا أو إيجابا على القاهرة ودوائرها الأمنية والسياسية.
موقف القاهرة من الأزمة التي تشهدها اليمن منذ عدة أشهر يثير الكثير من التساؤلات، خاصة وأنها مضطرة لحماية شرعية نظام منصور هادي، لكن كيف يكون هذا هو خطها الاستراتيجي في وقت تخوض فيه معارك قوية ضد جماعة الإخوان المسلمين؟، ربما التفسير الأوحد والمقبول هنا أن مصر تحاول التماشي مع السياسات السعودية في صنعاء، وإن كان التوافق والتطابق لا يصل إلى حد كبير، وهو الأمر الذي انعكس في رفض مصر المشاركة بقوات عسكرية ضمن التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن.
رفض المشاركة العسكرية في تحالف الرياض وإن كانت نقطة تحسب لصالح القاهرة، لكنها تحتاج إلى مزيد من الخطوات التي تتبعها، حتى تتمكن من لعب دور مؤثر في الأزمة، خاصة وأن حركة أنصار الله تقدر حجم مصر في المنطقة العربية، وطالبت قياداتها كثيرا بالتدخل والوساطة السياسية في الأزمة بهدف التوصل لتسوية تُنهي الأزمة، لكن حتى الآن ما زالت القاهرة بعيدة عن مركز الأزمة، وتكاد تحركاتها الخارجية بعيدة عن الهدف الرئيسي الذي يجب تحقيقه من وراء تلك التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
يعتبر الوقت الراهن هو الأكثر ملاءمة لتحرك القاهرة خارجيا من أجل حلحلة الأزمة اليمنية، خاصة وأن هناك عدة ملفات تجعل القاهرة طرفا مقبولا لدى الفريق المفاوض من حركة أنصار الله والسعودية على حد سواء، لا سيما وأن التطورات الأخيرة على الساحة السورية وموقف القاهرة منها كان موضع ترحيب من دمشق وحلفائها، كما أن مصر لديها توترات وخلافات كثيرة مع المحور المعادي لسوريا أمثال قطر وتركيا، وهم أيضا أعداء لحركة أنصار الله اليمنية، الأمر الذي يجعل لعب القاهرة لدور الوسيط المقبل أمرا غاية في السهولة، وكذلك على الصعيد السعودي فإن القاهرة لديها علاقات استراتيجية مع الرياض، فضلا عن تأثير الحرب في اليمن على الواقع الاقتصادي السعودي.
بخلاف ما سبق، فإن هناك بعض الضغوط المفروضة على مصر مازالت تمنعها من التحرك في هذه الأزمة بالشكل المرجو منها، ولعل أبرز هذه الضغوط التعنت السعودي واستكبارها الذي يمنعها من الجلوس على طاولة المفاوضات والتسوية قبل تحقيق إنجاز عسكري يجعلها تبدو في موضع المنتصر، دون النظر إلى الضحايا المدنيين الذين يسقطون في الغارات الجوية، أو يهاجرون من موطنهم بحثا عن الأمن والاستقرار بعيدا عن الحروب وضربات الطائرات الحربية التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا.
الأزمة اليمنية إذا ما تم توظيفها بشكل جيد، فإنها سوف تفتح بدون شك آفاقا واسعة أمام القاهرة في المنطقة العربية على وجه التحديد، والشرق الأوسط بشكل عام، خاصة وأن الشهور الأخيرة الماضية شهدت عدة رسائل من محور (سوريا –إيران –حزب الله)، تمهد الطريق أمام القاهرة لمد جسور تواصل وطيدة مع محور الممانعة في المنطقة، لاسيما في ظل تنامي علاقات روسيا مع مصر خلال الفترة الراهنة، فضلا عن تطورات الموقف المصري من الأزمة السورية، وبعيدا عن هذا وذاك، فإن هناك عداوة مشتركة تجمع القاهرة وسوريا ضد قطر وتركيا في منطقة الشرق الأوسط.
بخلاف أن الأزمة اليمنية تمثل نقطة انطلاق وفرصة كبيرة للدبلوماسية المصرية، فإنه يمكن استغلالها أيضا في المناورات الجيو سياسية مع دول الخليج، خاصة السعودية التي تتزعم تحالف العدوان على اليمن، وتربطها مع القاهرة علاقات متشابكة إلى حد بعيد، وهو الأمر الذي يعني أن فرص توظيف الأزمة كورقة ضغط أو مناورة مع الرياض قائمة وبغاية السهولة، خاصة وأن هناك العديد من الملفات التي يمكن المناورة عليها مع السعودية في منطقة الشرق الأوسط، ليس هذا فحسب، بل إن هذه المناورات سوف تحقق نتائج إيجابية للقاهرة، فعلى سبيل المثال، هناك تناقض واضح بين الرياض والقاهرة حيال الأزمة الليبية التي تنعكس تطوراتها بشكل مباشر على الأمن القومي المصري.
تعامل القاهرة من منطلق المصالح الاستراتيجية مع تطورات الأزمة اليمنية، يعفيها ويجنبها الكثير من الانتقادات التي يتم توجيهها إليها، خاصة في ظل اتهام بعض الأطراف الدولية والداخلية لها بالتناقض وعدم الانتصار لمصالحها في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ما يتعلق بموقفها من النظام الحاكم في اليمن وانتمائه السياسي، حيث في الوقت الذي أعلنت فيه مصر الإخوان جماعة إرهابية، تدافع عنهم في اليمن وتسعى لحماية نظام منصور هادي.

قد يعجبك ايضا