الدولة والفوضى والعدوان
زياد السالمي
لقد شعرنا في فترة من الزمن بيأس من كل النخب السياسية في اليمن . وهذا يؤمن به الغالبية حيال واقع مترد يحكمه الهوى والمصالح الضيقة .. كان المؤتمر الشعبي العام مع أدبياته المتمثلة بالميثاق الذي يعد دستورا يمنيا آخر أو بالأحرى متمما للدستور اليمني لتوافق كافة الأطياف السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية عليه، كان المؤتمر الشعبي العام مع أنه حزب وطني خالص معجون من سهول تهامة ومسقي من جبال صنعاء ومملوح من شاطئ البحر العربي الممتد من حضرموت حتى عدن، كان المؤتمر الشعبي العام مع أنه حزب حاول جاهداً على استيعاب التنوع اليمني قبيلة ومذهباً، كان المؤتمر الشعبي العام مع أنه لم يقص أحداً ولم يتعامل بتحيز مع أفراد حزبه وعامل الجميع بعين واحدة، كان بهذه الاستثناءات محل نظر ومظلة كما يقال للفاسدين.. بالمقابل كانت أحزاب المعارضة مع أنها آمنت بمحدودية قدراتها لا تتوانى عن نسف كل مشروع وطني يحسب للمؤتمر ذلك الحزب الذكي الذي بدوره لم يضع نصب عينيه ما قاله أحد المفكرين الكويتيين في إحدى مؤتمرات الحزب المنعقد في عدن حين بادر بالمباركة لحزب المؤتمر الشعبي العام، هذه الديمقراطية التي وصل إليها ونصح المؤتمر بنصيحتين الأولى الفساد والأخرى استمراره في الحكم أكثر ما يجعل المعارضة تحكم من منظور معارض بينما المؤتمر حينما يغدو معارضاً يعارض بمنظور الحاكم مستدلا بمقابلة إعلامية حدثت مع رئيس أحد الأحزاب البريطانية الذي فاز حزبه للمرة الثانية حينما سئل عن إمكانية حزبه من الفوز للمرة الثالثة فرد بالقول أنه لا يشك في ذلك وما يزعجه هو أن ينسى المعارض حين يصل الحكم كيف يحكم ويحكم كما اعتاد أي من منظور المعارض لا الحاكم وكما يخشى على حزبه حين يصبح معارضاً أن يعارض من منظور الحكم وهذا ما أثبتته الأيام خلال ثلاثية ثورة فبراير إن جاز التعبير فلقد عجز المؤتمر من أن يقبل بالمعارضة كما عجزت المعارضة من أن تمارس مهامها كحاكم، وأذكر حدثاً مر على الراسخين من كل الأطياف دون أن يحدث ضجة أو يحدث علامة تعجب حياله إذ قام دولة رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة بزيارة ساحة التغيير وبدأ يخطب ويحث الجماهير على الثبات والبقاء فيها وكأنه ما يزال معارضاً لا بصفته دولة رئيس الوزراء .. يتكرر المشهد الآن وكأننا لم نصل إلى النضج الثوري المأمول مع أن مرور ثلاث سنوات من الشد والجذب كافية لتغيير معادلة العمل السياسي لدى كل المكونات السياسية . وها نحن بعد ثورة 21 سبتمبر نكرر الخطأ ذاته بل نعيش بدون دولة .. هل لغياب الكادر لا اعتقد ذلك أبرر للمؤتمر الشعبي جنوحه عن عدم المشاركة بحجة أن يأخذ فرصته في المعارضة إنما التي تغلب المصلحة العليا للوطن، وعلى قوى الثورة السبتمبرية تحمل مسؤوليتها في الحكم .. هذا وبعد العدوان الخارجي على اليمن الذي استجدت معه معطيات منها وقوف المؤتمر كحليف للقوى الثورية في مواجهة العدوان ومجابهته ما يعد بشكل أو بآخر حليفا وكأنهما يسيران على المركب ذاته يحتملان حدوث ذات المصير لا نبرأهما في الدفاع عن التراب الوطنية، فالعدوان يجب ما قبله بالمقابل يستوجب كتكليف وطني أن ينال المؤتمر من المسؤولية التاريخية والوطنية في ردم هوة فراغ الدولة كحكومة إنقاذ للدفاع عن الوطن وليس فرض الأمر الواقع الذي لا يقبلها العقل الدولي للقانون طالما والحكومة مهما كانت خائنة وعميلة فما تزال هي الحكومة في نظر المجتمع الدولي حال عدم قيام القوة الثورية من تشكيل مجلس رئاسي وحكومة تمتلك بموجبها الحق في التحدث عن اليمن وعن سيادته وعن قيام المجتمع الدولي باتخاذ واجبه تجاه دول تعتدي على بلد حر ذات سيادة، أما في هذه الفوضى فستكف الدول المعنية بالقرار الدولي مسامعها عن أي مظلومية لعدم توافر الصفة القانونية وهي الدولة .. هل يتنبه الثوار لهذه المعضلة أم الذهاب باليمن نحو المجهول في حوار فشل قبل العمالة والتأييد للعدوان فكيف بعد ذلك ؟! ترى أم أن المؤتمر والقوى الثورية تنتظر عودة هادي للحكم مجدداً ليحمل عنهم عبء الذهاب إلى المحافل الدولية وإظهار فضاعة العدوان وانتهاكه سيادة الوطن ؟!
لقد جعلتم من الدولة فوضى ومن الفوضى دولة وكأنكم مسيرون حسب هوى السعودية تحاربنا وتعتدي علينا بموافقة أممية وأنتم تعجزون عن تشكيل حكومة للدفاع عن الوطن من العدوان وتعرية العدوان عبر المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.
فالظرف يقتضي المجازفة فلن يكون تشكيل الحكومة السلبية أشد من استدعاء العدوان وتهيئة المناخ له لاحتلال الوطن وتأييده، كما لن تكون أشد من الدماء اليمنية التي تسيل تحت مشروع الشرعية المزعومة.. جازفوا فقط.