ثلاثة مشاهد
عدنان باوزير
المشهد الأول:
مارب سنة 24 قبل الميلاد, العربي (صالح النبطي) دليل الحملة الرومانية على اليمن, يقود جحافل الغزاة الرومان القادمة من شمال الجزيرة العربية, عبر مجاهل الصحراء المقفرة, وبعد رحلة تيه طويلة, وفقدان الحملة لعدد كبير من جنودها في الصحراء تصل إلى تخوم العاصمة السبأية, لتتكسر على أسوار مارب, وتتمزق كتائبها وتتفرق بعد حصار استمر فترة قصيرة من الزمن, وبعد ان فتك المرض والإعياء والعطش الجوع بفلولها المنهكة القليلة المتبقية, لتفشل الحملة وتتلاشى جموعها في رمال الصحراء, ولم يبق لها أي أثر يذكر, بينما لم ينس التاريخ أن يسجل لنا اسم هذا الدليل العربي الخائن بأحرف سوداء على صفحات الخزي والعار .
المشهد الثاني:
في وقت ما من منتصف القرن السادس الميلادي, عربي آخر يدعى (أبو رغال), والذي صار لاحقاً يضرب به المثل في الخيانة والوضاعة, دليل حملة إبرهة الحبشي الذاهبة شمالاً, لهدم الكعبة المشرفة, يتقدم جيش الأحباش المغير, ويقطع بهم الفيافي والقفار حتى يوصلهم في آخر الرحلة إلى مشارف مكة المكرمة, ثم ما يلبث أن يأتي المدد الإلهي ليبدد جموع كتائب الأحباش, ويفرق شملهم, ويخلط حابلهم بنابلهم, وقد أختزل القرآن الكريم لنا بعض أهم تفاصيل تلك القصة في آيات سورة الفيل, وللكعبة رب يحميها.
المشهد الثالث :
مارس 2015م عبدربه هادي الدنبوع, يلعب دور الشيطان, ويوفر المظلة (الشرعية) ويستدعي السعوديين والخليجيين ومعهم بعض العرب, ومن ورائهم أمريكا, وبعض ( فرسان المعبد), ليشنوا على اليمن, حرب إبادة غير مسبوقة في تاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر, بل وفي تاريخ كل المنطقة, ولا أبالغ أن قلت في تاريخ البشرية كلها, ليبدأ مشروع غزو اليمن الموسوم بـ (عاصفة الحزم) وتحت مسميات أخرى مستنسخة من تجارب أمريكية مماثلة, حرب عبثية تدميرية شاملة وظالمة, لا تبقى ولا تذر, حرب دمرت البشر والحجر, وطالت نيرانها كل شيء, الحاضر والتاريخ, الأرض والإنسان, على حد سواء, ولم تقم أي اعتبار للدماء والمقدسات, وأواصر الأخوة والدين والجوار, حرب لن تستطيع الأيام ولا السنوات محوها أو استئصال آثارها السلبية الكارثية, من وعي وذاكرة هذا الشعب اليمني الصابر الأبي, والذي واجهها ولا يزال, بصمود أسطوري منقطع النظير, سيظل يدرس في مدارسنا لسنوات طويلة قادمة.
وكما فشلت الحملات السابقة, واندحر الغزاة في المشهدين السابقين, سيكون مصير هذه الحملة كسابقاتها, وكما سجل التاريخ الذي يقال إنه لا يرحم, وهو بالفعل كذلك, كما دوّن في أحد أسفاره المظلمة, لأعوان الغزاة (النبطي وقرينه أبو رغال) خيانتهم ووثقها, كذلك سيفعل مع الخونة الجدد, وهم بالمناسبة الأبشع والأوضع على الإطلاق, ولا أزيد.
مقارنة تاريخية ختامية في نفس السياق
تصف المراجع التاريخية الاحتلال الحبشي لليمن (525) ميلادية, بأنه من أبشع وأشنع أنواع الاحتلال في التاريخ, ومع ذلك فقد سجلت نقوش (المسند), أن نفس ذلك الاحتلال البشع قد قام بترميم سد مارب التاريخي, حيث يوثق ذلك النقش الموسوم بنقش إبرهة, والمحفور على أحد أحجار السد, بينما لم يقم الغزاة الجدد لهذا المعلم التاريخي الإنساني أي اعتبار, والذي يحتل مكانة خاصة في وجدان كل اليمنيين بل والعرب جميعاً, فبإنهياره القديم المدوي تفرقت أيادي سبأ, ناهيك عن أهميته التاريخية والأثرية البالغة, كأحد ركائز الحضارة اليمنية القديمة العظيمة, حيث وضعوه في مصب مرمى نيرانهم الهمجية, وأهدافهم الحربية !! ليس هو فقط بل ومعه أغلب المعالم التاريخية والأثرية والدينية والحضارية في اليمن, ولم تسلم من ذلك حتى حاضرة اليمنيين التاريخية, مدينة صنعاء القديمة المصنفة على قائمة التراث الإنساني العالمي, كل ذلك يتم في ظل صمت دولي مريب من قبل المنظمات العالمية ذات العلاقة وفي مقدمتها منظمة اليونسكو.