ما يثير الدهشة والاستغراب معاً أن تظهر الأمم المتحدة في الظرف الراهن قلقة بشأن سقوط ضحايا مدنيين كثر جراء العدوان السعودي الغاشم المستمر والمتواصل على اليمن منذ ما يقارب ثمانية أشهر، فلو كان عدد الضحايا ضئيلاً فإن تلك المنظمة لن تكون قلقة كالعادة .
حيث تظهر غير ما تبطن، تتحدث عن السلام والحرية والمساواة لكنها في الحقيقة والواقع تقف وتساند الجلاد على حساب الضحية والقاتل على حساب المقتول فهي تارة قلقة لأن عدد الضحايا في نظرها تجاوز المئات ولكن أن يكون الشعب اليمني بأكمله ضحايا للعدوان السعودي فإن ذلك أمر لا يستدعي قلق الأمم المتحدة .
كون ما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان يعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان بالجملة والتجزئة إلى درجة باتت من خلال الواقع تظهر هشاشة المعنى وركاكة الحرف لوجود مسافات فاصلة بين الشعارات المرفوعة من قبل المنظمة الدولية والحقائق التي تكذب ما تحمله تلك الشعارات من تزييف لوعي الشعوب وتضليل للجماهير باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة في واقع اليافطات المرفوعة من قبل النظام العالمي والأمم المتحدة على وجه الخصوص في واقع يتنافى تماما مع تلك الشعارات المطروحة الأمر الذي يجعل منها تسويقاً يتنافى مع حقائق الواقع .
فعلى مدى تاريخ المنظمة منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م وحتى اللحظة الراهنة لم يكن لها دور ايجابي في أي بلد من البلدان النامية وإنما تعمل في اتجاه معاكس لمبادئها فهي تطور المشكلات وتصعد النزاعات وتعمق الخلافات وهذا أمر معروف في السياسة الدولية، فهناك دول كثيرة كانت مهام المبعوثين الدوليين لتوسيع نطاق المشكلات السياسية ثم تطوير النزاعات والمباعدة بين الحلول والمعالجات وتفجير الأوضاع كما حدث في السلفادور والجزائر وكذلك بلدان عدة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية تدخلت الأمم المتحدة وأبدت وساطات بين الأطراف المتنازعة في العملية السياسية ثم عملت مسكنات وتهدئة أولية وطمأنت تلك الأطراف بنجاح التسوية وفجأة زادت التوترات وانعكست آثارها السلبية إلى حروب بين الأطراف ذاتها لتعلن الأمم المتحدة انسحابها وإعادة النظر في التسوية ودعوة الأطراف المتصارعة إلى التهدئة.
هكذا هي لعبة المنظمة الدولية ففي 29 نوفمبر 1947 أصدرت قراراً بتقسيم فلسطين وفي نفس التاريخ من عام 1977م أصدرت قرارا لحماية اللاجئين الفلسطينيين لذلك يخطئ من يعتقد بأن هدف المبعوث الأممي هو وقف العدوان وإصلاح الأوضاع السياسية اليمنية لأن المراهنة على الخارج ليس سراباً ووهماً ولكن مدعاة للفتنة وبالتالي فإن تعميق الخلافات ومضاعفة الانقسامات وتوسيع الاستنفارات وترشيد الاحتقانات من ضمن أسس ومنطلقات بناء شرق أوسط جديد لإدخال الأقطار العربية في مرحلة ما بعد تفكيك الدولة القُطرية وتمزيقها إلى أقليات وأثنيات وجماعات متناحرة ذلك هو توجه السياسة الدولية وتمثل الأمم المتحدة إحدى أهم الروافع الأساسية لذلك التوجه .
Prev Post