الباحثون عن الكنوز

لحظة يا زمن

يهبطون على القرى البائسة يحملون عيونا متسائلة ومستفسرة, يعبرون في ضوء النهار كعابري سبيل نظرتهم الجانبية السريعة قد لا تثير في البدء أي إهتمام, لكن في النظرة المترددة التي يرسلونها وهي تدقق على المسالك والدروب التي يطرقونها لأول مرة.. تترك بعض الريبة والشك, ولأن ناس تلك القرى بطبيعتهم لا تمر الأشياء بجانبهم إلا وقد أثارت أكثر من سؤال كما أن ذاكرتهم شديدة القوة بحكم العالم المحدود الذي يتحركون داخله.
هؤلاء الأغراب العابرون يعودون عبور القرى في الليل الحالك باحثين عن أسرار, كنوز, عملات قديمة ينبشون, وينقبون في أمكنة محددة لها طابع الاندثار.. بقايا دور قديمة.
ومساكن مهجورة تركها أصحابها منذ زمن عابر وظلت هناك بعض أطلالها.
لا يجد بعد ذلك.. أهل القرى بالمصادفة أحيانا وبتلك الحفر والحفريات التي يجدونها في تلك الأطلال وبعدها تثور الأسئلة وتتراكم الأقوال والحكايات.
عن كنوز مدفونة كانت أو مازالت هنا وهناك في ذلك المكان أو تلك.
تثور عند أهل القرى حمية البحث وترديد الحكايات واستعادة تلك الوجوه التي عبرت سريعا في يوم ما.
ومع هذه الأشياء المثيرة التي تتفاعل تصعد الرغبات والأمنيات.
وفي الليل الحالك يغامر البعض فتكثر الحفر, هنا وهناك, وتحضر أم الصبيان بعدها تطالب للكنوز الموعودة, الدم والذبائح.. وإلا فإن مصير تلك الكنوز تتحول على يديها إلى فحم أسود وهباء يتناثر.
وتسرى الحكايات مسرى الدم في القروق تصبح بعدها الأوهام في العقول حقائق تمني النفوس بالكنوز الموعودة واللقى الأثرية وبقايا الفضة والجواهر التي تركها الأسلاف المتعاقبون.
وتدور الأيام.. وبالتدريج تنكمش حكايات الكنوز الوهمية وتصبح الخلاصة أن لا شيء هناك بالفعل.. أو أن الكنوز الموعودة قد انتهى مصيرها في أيدي العابرين أو أن الحكايات من أصلها خلق دجالين ونصابين ومحتالين تعود الأشياء إلى دورانها المعتاد.. يكون خلالها قد استقر أحدهم هنا وهناك وشاهد الناس ودرس الجو المحيط واستقر بينهم مداوي بالبركة والتعاويذ.
بلاأعشاب والمياسيم بالشعوذة والدجل.. بالطلاسم بسعة الحيلة وطرق الخداع يستوي بينهم يجمع الأعشاب ويدعي السيطرة على الجن والشياطين تصدقه العجائز.. يبعن ما بقي لهن من عجلة وغنمة, وبقية ما بقى من احتياط العمر.
يغطي أولئك المشغوذون والمحتالون أعمال الاحتيال بتبييض قباب الأولياء, وبيع الأوهام والبحث الذي لا يكل عن سراب الكنوز المدفونة هنا أو هناك, والقصيص المطمور في المقابر الداثرة والخرابات المهجورة.

قد يعجبك ايضا