أنا من هناك …
ن ………….والقلم
عبدالرحمن بجاش
بين الطريق والطريق هناك , كان ثمة مقهى يديره عبده أحمد , وعبده يصنع الشاهي الملبن من الصباح انتظارا لمرور الحماره الصاعدين من بحر عدن الهابطين إلى خير الشيخ عثمان , شاهي عبده أحمد ما فيش مثله , ومن القرى المحيطة نستكب نحن إلى تلك النقطة وسط الطريق أسمها (( زريد )) نمت وترعرعت في وجداننا من لحظة أن توزعنا الطرقات ذاهبين آيبين , بحث عن وجودنا الصغير بين الجبل والجبل . لحظة أن تتذكر طفولتك تطوف دموع عينيك تبحث عن ذاتك في العيد الذي تهوى فلا تجده , حتى العيد نام في الطريق , والآن هاهو عيد حياتنا يضيع , لم يبق منه سوى الصوت , والعابرون إلى حيث تركوا الأمانة هناك في ربى تلك القرى , يتطلعون , عل سحابة تمر محملة بالغيث الذي يأتي ولا يأتي , فقد أمطرت مساء على النفوس الوجلة خوفا يزعزع الطمأنينة , أي عيد نبحث عنه ¿¿ . أنا من هناك , بل أنا هناك في الشقوق , وفي نوافذ قديمة , وعلى عتبات الأبواب , وعند باب المسجد , والمعلامة أبحث عنها فلم أجدها , حتى احجارها أخذوها وبنو بها !! , لم تعد هناك معلامة , بل آثاري فقط تتحدث عني , وبقايا عيد , أمر في الليل المكهرب بحناحن السماء على دار جدي ابحث عن جدتي نعمة فلا أجد سوى رائحتها باقية في الدرج وعلى الجدران , أسال عن عمتي الساكنة روحي , فلا أجد سوى الصمت , أعود إلى شاهي عبده أحمد فلا أجد سوى بقايا حوافر الحمير التي مرت هنا ذات صباحات زنينية الغيث , ومساآت تطرزت بحكايا الجمال العابرين , وصوت ((الأعوج)) يدندن في الليالي المقمرة على تخوم قريتي (( الليل يا بلبل دنى غرد واسمر عندنا ….ما بقى غير الرحيل )) إلى أين ¿ لا ادري أي ارض يمكن أن تقبلك أيها الأتي من هناك إلى هنا فلا تجد نفسك لا هناك ولا هنا !!! , يطول الليل ابحث عن الطريق إلى قريتي , لا أجد سوى آثارها تحدثني عني : هنا ذات غبش مررت من هنا , والراحلين إلى أعماقهم مروا من هنا , ذاهبين يبحثون عن الحياة فلا يجدون سوى الرماد , أحس أنني تعب , والأيام تخصم من عمري أجملة , وأنا ابحث عن العيد , عن مشاقر الخدود , وعن عرقوص تلك الليالي التي قضيناها همسا نتحدث عن الحب الذي يروي عطش العشاق , فلا نجد سوى الريح تصهل كالخيل تبحث عن أعيادها فلا تتحسسها سوى في ذاكرة النساء القرويات الطيبات (( اللهم عيده سالم غانم )) , لا ادري كيف ¿ من أين ¿ أين أنا ¿ بل أين أنت يا عيد مررت هنا ذات مساء على الطيبين تركت إثرك ولم تعد , عد الينا ولو مرة في العمر , وعيد الفقراء طوبى لأعراس في أعماق عمرت بالحب , ولتلك التي تسكن ذات شرفة في منزل دمشقي عتيق كل الإرواء وكل عشق الأعياد …….ويا عيدنا الذي : أين سافرت ¿ وفي ارض حللت وتركتنا هنا على قارعة الطريق …………….