تشريد السوريين… الجريمة الكاملة
بعد أكثر من أربعة أعوام على ظهور مشكلة المشردين السوريين من وطنهم, وتفاقم مآسيهم في مخيمات اللاجئين, القريبة من سوريا والبعيدة عنها, التفت إليها الإعلام العالمي, فجأة وجعلها في صدارة اهتمامه الخبري, وبذات الفجأة التي برز بها هذا الاهتمام الاعلامي تراجعت مشكلة اللاجئين وتركز الاهتمام كله بصورة طفل ميت على شاطئ تركي مهجور .
الصورة مؤسفة إذا كانت كما قيل عنها حتى ولو كانت تركيبا فنيا أتاحته تقنية الفوتوشوب, لكنها ليست المشكلة الحقيقية ولا حتى جزءا منها, لأن مشكلة اللاجئين السوريين لم تكن ولن تكون في امتناع أو قبول الدول الأوروبية, بدخولهم أراضيها, بقدر ما هي في وطنهم وأسباب هروبهم منه طلبا للنجاة بأنفسهم وأسرهم من موت قدم إلى بلادهم من كل بقاع الأرض وفي مرأى ومسمع كل العالم, وعليه, فالمشكلة الجديرة بتصدر قائمة الاهتمام السياسي والاعلامي تكمن في البحث عن إجابات للسؤال التالي: لماذا وكيف تشرد ملايين السوريين من مواطن إقامتهم إلى مواطن بعيدة عنها داخل سوريا وخارجها¿
والجواب الجاهز سياسيا والمتداول إعلاميا عن هذا السؤال مطروح في الغالب على النحو الذي يفيد بأن الشعب العربي في سورية خرج مطالبا بحقه في الحرية والكرامة وتغيير النظام الحاكم في بلده, فردت عليه سلطة الحكم بعنف وقسوة وبطش دفع آلاف بل ملايين السوريين إلى الهروب من وطنهم ومغادرته إلى البلدان المجاورة, ثم إلى غيرها بحثا عن تأمين حياتهم ومعايشها بعائدات مرجوة من أي عمل يتقنونه أو يقدرون عليه بقوتهم البدنية.
ولن نشكك في صدق هكذا تفسير لمشكلة المشردين السوريين, ولكننا سننظر إلى هذه المشكلة بالواقعية المتجسدة بها داخل سوريا وخارجها, لنتساءل على ضوء ما تحمله المعطيات من مناطق المشردين داخل سوريا, وهم أضعاف عدد المشردين خارجها, عن الأسباب والعوامل التي جعلت هؤلاء المشردين يقصدون المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية إذا كان بطش هذه الحكومة وحده من دفعهم إلى الهروب من مواطن إقامتهم الأصلية¿
لا تنكر الحكومة السورية استخدامها للقوات المسلحة والعتاد العسكري المتوافر لجيشها في مناطق سكنية بكثير من مدن وقرى سوريا التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة الساعية لإسقاط نظام الحكم وإقامة سلطتها بدلا عنه والسؤال هنا إذا كانت الجماعات المسلحة هي مواطنو تلك البلدات وسكانها, فلماذا يهربون منها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو البلدان المجاورة¿!
تقطع الدلالات المحمولة على المعطيات الواقعية في مشكلة مشردي سوريا, بأن أحد أبرز وأهم أسباب الهروب الجماعي للسوريين هو الاضطهاد الطائفي للجماعات السكانية المخالفة للجماعات المسلحة في الدين, أو المختلفة معها في الفهم والتفسير الفقهي للإسلام, ومن هنا غلب الهروب على المجموعات المسيحية وبينها, وفي الجماعات المسلمة التي لم تطلق التعايش مع تعاليم وممارسات التطرف الديني الذي تفرضه هذه الجماعات الجهادية باسم الاسلام على سكان المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات بقوة السلاح, هل ينفعنا الاستشهاد عنا, بما فعلته دولة الاسلام مع اليزيديين والمسيحيين بعد تمددها من سوريا إلى العراق, وسيطرتها على الموصل¿
وعليه نقول بأن مشكلة المشردين في سوريا تتحمل مسؤوليته التنظيمات الإرهابية المسلحة, فما هي هذه التنظيمات¿ ومن أين جاءت¿ وكيف نشأت وتمكنت من السيطرة على أراضي سورية شاسعة والانتشار فيها ومنها حتى العراق¿ تتوافر معطيات قاطعة في دلالاتها على إنشاء هذه التنظيمات خارج سوريا من مرتزقة القتال, الذين حشدوا ابتداء من تونس وليبيا واليمن, وبلدان أخرى, إلى سوريا عبر البلدان المجاورة بإسناد ودعم شملا التدريب والتمويل والتسليح والتسفير والتوجيه الاستخباراتي, والمساعدات اللوجستية من قبل الدول التي تحالفت لإسقاط السلطة الحاكمة في سوريا, تحت مسمى “أصدقاء سوريا”! ثم نشأ تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة هذه التنظيمات الإرهابية التي أصبحت حسب وصفهم خطرا يتهدد العالم.
من المهم جدا أن نذكر العالم المتباكي على صورة طفل مجهول الهوية قذفت به أمواج الموت إلى شاطئ, مهجور في تركيا بويلات شعب حشدت عصابات القتل والاجرام إلى وطنه من كل حدب وصوب, وتعرض ولا يزال لأفظع جرائم القتل وأبشع عمليات التخريب والتدمير التي طالت البنيان والآثار وركزت على الممتلكات والمنجزات والمزارع والمنشآت ومقومات الحياة من بنى أساسية وخدمية, عامة وخاصة, عسكرية ومدنية, في كل سوريا وعلى كامل ترابها الوطني.
وإجمالا, لن تختلف مشكلة المشردين من سوريا عن مشاكل الذين سبقوهم إلى خيام التشرد والضياع من الشعوب العربية في فلسطين المحتلة ثم العراق وليبيا وحتى اليمن, ولن يتوقف سيل الذين أخرجوا من أوطانهم العربية بجيوش الغزو أو عصابات المرتزقة ومآسي الاقتتال, إلا إذا توقفت عدوانية القوى الاستعمارية في حلف شمال الأطلسي وتوابعه البعيدة والقريبة!!.