المنطقــة علـى أبـواب خريـف عاصـف..
‘آل سعـود’ يعـودون صاغـرين إلـى بيـت الطاعـة..
انتهت زيارة خادع “الحرمين الشريفين” إلى واشنطن بلا نتائج ملموسة لأنها لم تكن أكثر من عودة رأس السلطة “السعودية” إلى بيت الطاعة الأمريكي لتقديم فروض الولاء وتجديد البيعة بعد فترة من الحرد والمشاكسة طمعا في شراكة استراتيجية جديدة للقرن 21 لم تتحقق وأملا في أن توافق أمريكا على تولية ابنه العرش من بعده مقابل تنازلات سخية..
معضلة “آل سعود” أنهم تجاهلوا من غرورهم أن السياسات تتبدل كالفصول وفق ما تمليه المصالح الإستراتيجية الكبرى وأنهم كانوا ولا يزالون مجرد أداة وليسوا حلفاء موثوق بهم وأن كل ما قدموه لخدمة أسيادهم في واشنطن وتل أبيب طيلة العقود الماضية لم يشفع لهم لتأبيد سيادتهم على المنطقة ولم يكونوا يتصورا يوما أن الأمريكي سيخونهم ويقبل بالتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران عدوتهم اللدودة..
وهو ما اعتقدت المهلكة من غبائها أنه بداية استدارة أمريكية لاستبدال أدواتها في المنطقة جاهلة أن إيران الحرة والسيدة لا يمكن أن تقبل بدور حليف “الشيطان الأكبر” فأحرى دور الأداة الوضيعة كما هو حال ‘آل سعود’ الذين تعتبرهم واشنطن مجرد بقرة حلوب ما أن يجف ضرعها حتى تأمر بذبحها وإطعام لحمها النتن لذئاب القاعدة المتوحشة بعد أن فككت أسطورتها الخادعة التي كانت توهم العالم بأنها تتحكم في المسلمين بحكم رعايتها لمقدساتهم واكتشفت أمريكا متأخرة أن إيران هي القنبلة الإسلامية النووية الحقيقية التي يستحيل تفكيكها وأنه يجب التعامل معها بأسلوب مخادع لتفجيرها من الداخل قبل أن تنفجر في مصالحها وفي حليفتها “إسرائيل”.
ولأن من جبل على الخيانة والعمالة يعتقد واهما أن الناس جميعا مثله لم يدرك ‘آل سعود’ بالعمق المطلوب أن إيران الإسلامية يستحيل أن تقبل بلعب دور “شرطي المنطقة” لمصلحة واشنطن كما كان الحال زمن الشاه مهما كانت الأثمان لما يمثله مثل هذا المنحى من خيانة لمبادئ الثورة التي قامت الدولة على أساسها وقيم القرآن التي تمتح منها وترجح المبادئ على المصالح ومدرسة آل البيت الأطهار التي تتبع نهجها المقاوم لا المساوم والذي يعتبر أن لمعركة التحرر والتحرير طريقا واحدا اسمه “الشهادة”.
أمريكــا بيــن مستنقع الشـرق الأوسـط والاستـدارة نحـو آسيـا..
اليوم تغيرت الأمور وتبدلت الأولويات ولم يعد نفط آل سعود يمثل أولوية للأمن القومي الأمريكي بعد أن أصبحت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا وتصدر الفائض عن حاجاتها وهبط سعر النفط إلى أدنى مستوى له مما اضطر مملكة الزيت بطلب من أوباما للقبول بتعويض الشركات الأمريكية عن خسارتها بدعم سعر الإنتاج على حساب نسبتها غير المتكافئة من العائد كما وغيرت أمريكا من عقيدتها العسكرية حين قررت الامتناع عن لعب دور جيش المرتزقة الذي يحارب لمصلحة الآخرين مقابل النفط والرز وأصبحت الأدوات القديمة المستهلكة مطالبة بالدفاع عن نفسها بنفسها وأقصى ما تستطيع فعله من أجلها هو بيعها السلاح الذي يناسب حجمها وطبيعة حروبها لا أكثر ولا أقل لاستنزاف مذخراتها.
وهذا لا يعني تخلي الولايات المتحدة عن منطقة الشرق الأوسط الحيوية لمصالحها بل فقط تعديل الإستراتيجية بعد أن وصلت إلى خلاصتين على قدر كبير من الأهمية: الأولى أن زرع الفوضى في البلدان المارقة بسلاح الإرهاب والفتن المتنقلة هو أكثر نجاعة وأقل تكلفة من تحريك الجيوش وخوض الحروب المباشرة.. الثانية أن انهماكها في مشاكل الشرق الأوسط المعقدة والمستعصية وانشغالها في لعبة توظيف إرهاب “داعش” المتوحش ومحاولة تجيير إرهاب “النصرة” المعتدل أضاع عليها الفرصة للاستدارة باكرا نحو منطقة آسيا حيث تحول اليوم مركز الثقل العسكري والاقتصادي والمالي العالمي بشكل لم يعد من الممكن محاصرته أو التحكم في آلياته.
وقد كانت الرسائل الحاسمة التي بعثت بها روسيا والصين خلال استعراضهما العسكري بمناسبة أعياد النصر الأخيرة كافية ليفهم الأمريكي أن عصر أحادية القوة العسكرية والتهديد بها قد ولى إلى غير رجعة وأن بيد العملاقين الحليفين اليوم أسلحة نوعية ووسائل تكنولوجية فتاكة تتجاوز ما لدى الولايات المتحدة من مكامن قوة سواء ما له علاقة بالدرع الصاروخية أو الأساطيل البحرية من بوارج وحاملات الطائرات وغواصات نووية وقوة جوية وغيرها والتي أصبحت جميعها لقمة صائغة لسلاح الدب الروسي والتنين الصيني الأمر الذي غير معادلات القوة وقواعد اللعبة على المستوى الدولي وجعل إستراتيجية الاستدارة الأمريكية نحو آسيا اليوم بلا مفعول ولا قيمة.
أكثر من ذلك لقد نجحت إيران تحت الحصار في ما لم تكن تتوقعه الإدارة الأمريكية ونعني بذلك “حرب العملات” التي كانت السباقة إليها حين قررت إنهاء التعامل بالدولار واستبد