عدن مركز لتجمع اليمنيين جميعا شمالا وجنوبا – 3 –
لقد اجتاحت العالم تطورات سياسية وذلك بعد الحرب العالمية الثانية وظهور حركات التحرر الوطني وخاصة بعد استصدار حقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة.
فقد تحركت شعوب العالم المضطهدة لنيل حريتها واستقلالها وخصوصا في الوطن العربي الذي كان يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي والبريطاني فجاءت له الفرصة إلى عقر داره فتحركت القوى الوطنية وكانت اليمن من ضمن تلك الدول المضطهدة وخصوصا في شمال الوطن حيث قامت الطليعة المثقفة من الرعيل الأول للحركة الوطنية بتأسيس الجمعيات والنوادي بهدف إخراج البلاد من العزلة المخيفة التي جثمت على قيمه ومثله ومن أبرزها الجمعية اليمنية التي تأسست في عام 1931م ثم نادي الإصلاح الأدبي أسسه في ذبحان الأستاذ أحمد محمد نعمان في عام 1933م وهيئة النضال في 1935م والجمعية الأدبية ومحبي الآداب في عام 1936م وجمعية المشايخ بتعز وجمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمعية الإصلاح في م/إب في عام 1944م.
وبالرغم من محدودية تلك المؤسسات المدنية التي احاطت نشاطها بالسرية إلا أن الإمام استخدم ضدها كل أساليب الترهيب والترغيب إلا أن تنامي الوعي الوطني زاد نتيجة لتداول الكتب الإسلامية والصحف العربية بين المثقفين في كل من تعز وصنعاء وإب.
أما في الجنوب فإن الوضع أحسن مما هو عليه الحال في الشمال حيث بدأ تزايد ظهور الجمعيات الأهلية التي كانت تختلف عما عليه الحال في الشمال حيث ظهرت تلك الجمعيات في مرحلة العشرينيات والأربعينيات وذلك من حيث تنوع تلك المؤسسات المدنية ودورها وعددها.
فالمعروف تاريخيا أن عدن كانت مركزا لتجمع اليمنيين الذين جاؤوا إليها من مختلف المناطق للعمل والتجارة أو للدراسة والنشاط السياسي كما هو حال الأحرار بمعنى أن تلك الهيئات التي بلغ عددها حتى مطلع الستينيات نحو 55 ناديا أو جمعية قد جسدت في نشاطها حاجة مجتمعية بمستوى ما هو ثقافي واجتماعي وإصلاحي وكانت البداية ظهور نادي الأدب العربي في عدن عام 1925م ونادي الإصلاح العربي في التواهي وكريتر والشيخ عثمان في 1947م وهذه المؤسسات كان هدفها تجمع أهالي كل منطقة تربط بينهم مصالح مشتركة وأيضا تشجيع الشباب على التعليم كما عملت على نشر الوعي الوطني وحشد كل الطاقات لمواجهة الإمامة والاستعمار وامتد نشاطها حتى إرسال البعثات الطلابية إلى البلدان العربية والأجنبية وخرج منها قادة سياسيون وكتاب أسهموا في تشكيل النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الإبداعية والروابط الطلابية والأحزاب والتنظيمات السياسية إضافة إلى إنشاء بدايات الصحافة اليمنية إبان الاحتلال البريطاني لعدن في الأربعينيات.
وما دمنا قد أطلنا بعض الشيء في الصفحات السابقة أمام الأوضاع السياسية ونشوء الاتحادات فلا بد أن تكتمل الصورة إلى ملامح واقع الصحافة في اليمن في ذلك الوقت.
لقد عاشت اليمن محرومة من وسائل الإعلام منها الصحف لفترة طويلة من الزمن بالرغم من أن اليمن كانت في مقدمة دول شبه الجزيرة العربية التي عرفت الطباعة في عهد الاحتلال العثماني عام 1887م حيث استجلب الأتراك آنذاك إلى صنعاء العاصمة أول مطبعة وخرجت منها صحيفة صنعاء الأسبوعية وكانت تصدر في اليمن باللغتين العربية والتركية وكانت موجهة في الأصل إلى الجنود العثمانيين حاملة للفرمانات السلطانية التي كانت تصدر في الأستانة في عهد السلطان عبدالحميد الثاني.
ولم يكن لصحيفة صنعاء أي تأثير فعال على ظهور الصحافة اليمنية وتطورها ومستقبلها ولم يقرأها حتى المتخصصون في هذا المجال ولكنها تعتبر البداية الحقيقية لنشوء الصحافة في اليمن.
وبعد مرور ثمان سنوات صدرت صحيفة الإيمان في تاريخ 1926/5/12م وتعتبر أول صحيفة يمنية ناطقة باسم المملكة المتوكلية بعد رحيل الأتراك من اليمن الشمالي حيث قامت بتحديد الدور المجيد للإمام وتقديم الأوامر والنواهي للناس والدفاع عن حقوق يحيى حميد الدين في بيت المال وواجبات الرعية في دفع الضرائب التي لم يكن لها أي نظام أو تقدير وكانت الجباية تودع في بيت المال الذي هو موجود في بيت الإمام نفسه وتحصل بحسب ما يأمر به حيث كان عبء الضريبة على المزارع اليمني باهظا وسببا مباشرا لهجرة واسعة النطاق إلى خارج البلاد.
ثم ظهرت مجلة “الحكمة اليمانية” في صنعاء وكأول مجلة في شبه الجزيرة العربية وكان ذلك في نهاية الثلاثينيات وكانت تجمع بين الأدب والدين والثقافة ولعبت دورا مهما في الدعوة إلى الإصلاح إذ شارك في تحريرها كل من أحمد عبدالوهاب الوريث وعبدالله العزب وأحمد المطاع وغيرهم ممن أضاءوا الطريق لخلق واقع يمني أفضل.
بيد أن المجلة لم تعمر طويلا فقد أمر الإمام يحيى حميد الدين باغلاقها فاختفت هي الأخرى مع موت رئيس تحريرها الوريث أي بعد إصدارها بثلاث سنوات.
ولم يكتف الإمام يحيى باغلاق المجلة وإنما وضع المطابع العثمانية في صنعاء تحت إمرته مباشرة لهذا فرض الإمام بفعلته هذه حالة من الجمود الفكري والتخلف والجهل حيث لم