في البدء كان الجيش

عـبدالله عـلي صبري
عندما انقسم الجيش في 2011م بين جناحين أحدهما مؤيد لثورة الشباب والآخر مدافع عن شرعية النظام السابق بات من الصعب الحديث عن مؤسسة عسكرية وطنية محايدة إزاء الصراع السياسي. ومما فاقم من أزمة الولاء الوطني داخل القوات المسلحة اليمنية أن القرارات الرئاسية التي صدرت تحت عنوان إعادة هيكلة الجيش ومهرت بتوقيع هادي كانت تصب  لصالح طرف سياسي معين ثم جاءت بعضها لتصب في خانة تعزيز نفوذ (أبين) في السلطة.
هكذا تشتت ولاءات الجيش خلال الثلاث السنوات الماضية بين سنحان وأبين والإخوان بشكل مكشوف ما أوصل البلد إلى حالة أمنية متردية تصدرتها الاغتيالات المتوالية وعمليات إرهابية جريئة لتنظيم القاعدة في وسط العاصمة صنعاء.
ولما تحرك الجيش باتجاه معاقل القاعدة في أبين وشبوة وحضرموت تعالت الأصوات المنددة بهذه الحرب لتطلب من هادي التغطية على حرب الإخوان في كتاف وعمران. وكان من الواضح حينها أن وحدات من الجيش كانت تقاتل على الضد من توجيهات هادي ووزارة الدفاع. ورغم أن هذه الوحدات مع المليشيات المساندة لها قد خسرت في مواجهات عمران إلا أنها أفشلت في الوقت نفسه المهمة الوطنية للجيش في الحرب على الإرهاب.
مع ثورة 21 سبتمبر تجلت الحالة الانقسامية للجيش فالوحدات التي انضمت إلى ثورة 2011م كانت متحمسة لقمع الثوار وليس حمايتهم فيما فضلت الوحدات المحسوبة على الرئيس السابق الحياد وفي الوقت نفسه كان هادي ينتظر نتيجة المواجهات كي يخرج هو الأقوى من بين الأطراف المتصارعة.
للوصول إلى هذه الغاية طلب هادي من القوى المناوئة لثورة 21 سبتمبر تشكيل لجان شعبية للدفاع عن صنعاء مؤكدا أن القوات المسلحة والأمن ليستا في جهوزية للقيام بهذه المهمة.
في الأثناء كثر الحديث عن خيانات هنا وهناك ما أفضى إلى فراغ أمني حقيقي شهدته العاصمة صنعاء مع دخول اللجان الشعبية معسكر الفرقة الأولى مدرع. وكان على هذه اللجان أن تقوم بالدور الذي عجزت عنه القوات المسلحة والأمن( وهو عجز لم يكن كامنا في أفرادها وإمكاناتها لكنه نتاج حالة التخبط السياسي وتشتيت ولاءات القيادات العسكرية).
في بعض المحافظات جنوبا وشمالا كانت اللجان الشعبية نفسها قد أنيطت بها مهمة مساندة الجيش في التصدي للقاعدة وضبط الحالة الأمنية وجرى ذلك بمباركة القوى السياسية دون اعتراض وكلفت هذه العملية خزينة الدولة المليارات دون نتيجة حقيقية في الواقع.
لكن في صنعاء وبعد أن تطوعت اللجان الشعبية بالدور الأكبر في سد الفراغ الأمني دون أن تكلف خزينة الدولة شيئا تعالت أصوات القوى السياسية ضدها وطالبتها بالانسحاب من العاصمة ولم تكلف هذه القوى نفسها دراسة البديل للجان الشعبية في ظل انقسام القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
واليوم فإن توحد الجيش واللجان الشعبية في مواجهة العدوان والمليشيات الإرهابية يعزز فرصة إمكانية معالجة حالة الانقسام التي أصابت الجيش وبما يؤدي إلى تعزيز الولاء الوطني وتغليبه على أية ولاءات أخرى.
ثم أن المهم من الآن التفكير في إعادة بناء الجيش وتزويده بالقدرات القتالية اللازمة بحيث تأمن اليمن ويلات التهديدات والعدوان الخارجي فلا يمكن أن تقوم دولة مستقلة بدون جيش قوي قادر ورادع.
كذلك فإن الجيش الوطني هو الذي يحمي البلدان من التمزق والانهيار في حال تفاقمت الصراعات السياسية على النحو الذي شهدته دول المنطقة في ظل الربيع العربي.
وفي مخرجات مؤتمر الحوار الوطني قرارات وتوصيات كفيلة- حال تنفيذها- بإعادة بناء الجيش وطنيا واستيعاب اللجان الشعبية لتعمل في ظل مؤسسة حقيقية همها الأول والأخير الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه.

قد يعجبك ايضا