في غياب الكاتب الأشجع

د. عبدالعزيز المقالح
بداية يحق لي القول أننا لو استخدمنا جميعا كل ما في العالم من الحبر للتعبير عن إدانتنا للاغتيالات والتفجيرات الأخيرة. لما كان كل ذلك كافيا فقد انحدرت القيم في بلادنا ووصلت الأحقاد بالبعض إلى درجة من الوحشية غير المسبوقة والمرفوضة دينيا وأخلاقيا وإنسانيا ومع ذلك لن نيأس من دور الكلمة ولن نتردد عن الإدانات والاستنكار والاحتجاج وذلك أضعف الإيمان.
وعندما وصفت في عنوان هذا الحديث الصديق الشهيد عبدالكريم الخيواني بالكاتب الأشجع لم أكن منساقا مع مؤثرات الفاجعة وما تتركه لدى البعض من انفعال باللحظة الاستشهادية الجليلة وإنما كنت أقرر حقيقة ثابتة في حياة هذا الشهيد ومن خلال كتاباته الشجاعة التي يعرفها القاصي والداني والدليل على أهميتها وشجاعتها ما تعرض له طوال عشرين عاما من اعتقالات ومطاردات وما تحمله من عناء. وكان واضحا أنه –وهو يكتب- لم يكن يهتم بالعواقب التي ستشرئب على ما يكتبه كان همه الأول والأخير أن يكون صادقا مع نفسه ومع ما يعتقده وصادقا مع قارئه وهي ميزة لا ينالها سوى القليل جدا من الكتاب أصحاب القضايا.
منذ عرفته وإلى لحظة استشهاده لم يحمل عبدالكريم سلاحا سوى قلمه كان يمشي وحيدا مطمئنا إلى أنه لا يحمل في نفسه إلا المحبة لكل أبناء وطنه بما فيهم أولئك الذين اختلف ويختلف معهم وانطلاقا من أن خلافه لم يكن شخصيا ولا مصطنعا بل كان يقوم على حقائق يراها هو قابلة للنقاش وتستحق أن يدور حولها الحوار الكلامي حوار القلم حوار الكلمة لا حوار البندقية والرشاش. كانت خلافات موضوعية
وقد اعتمد في معالجتها من جانبه على الكلمة والكلمة فقط وكان على مخالفيه أن يقابلوه بالأسلوب نفسه والمنهج نفسه لأن الرصاص لا يدحض الحقائق بل يزيدها توهجا وهو –أي الرصاص- سلاح العاجزين عن مواجهة الحقائق كما هو اعتراف صريح بصحتها وبما تتضمنه من مصداقية وموضوعية.
ولا أنسى –هنا- الإشارة إلى أن الشهيد عبدالكريم لم يكن يجيد استخدام “التقية” أو التخفي وراء الرموز وهو يتحدث عن “عتاولة” الفساد في البلاد فقد كان يقول للأعور يا أعور وللأعمى يا أعمى بكل ما تحمله الكلمات الصادقة من قدرة على التأثير وبلا أدنى تحسس في العواقب أو الخوف مما قد يناله من انتقام فقد كان –كما سبقت الإشارة- صاحب قضية ولا يهمه في سبيل التعبير عما يراه حقا وخادما للقضية أن يواجه أقسى وأصعب ما يدخره له الآخرون من صنوف القسوة والعذاب. وهكذا هم أصحاب القضايا العادلة في كل مكان وزمان وبفضلهم وبما تحملوه في حياتهم من تضحيات تتطور الشعوب وتتقدم البلدان وتتجاوز التخلف وما يسود في مناخاته السوداء من خلافات وأحقاد ورواسب يتقزز منها البشر الأسوياء وتنفر منها أخلاقيات المجتمعات الدينية والمدنية.
لقد عرفت الشهيد عبدالكريم الخيواني عن قرب وحين كان المقيل يجمعنا أحيانا كان أكثر الحاضرين هدوءا وصمتا وتأملا وعندما يتحدث لا يطيل الحديث ويكتفي باللمحة السريعة والإشارة الدالة والتعليق المقتضب وكان ما يلفت إليه أكثر تلك الابتسامة التي لا تغيب عن شفتيه والتي تشعر معها أنها صادرة من القلب وليست معلقة على الشفاه. كان عدد من زملاء المقيل يعيدون ويكررون الموضوع الواحد أكثر من مرة وحينئذ يرفع من مستوى ابتسامته وهو يقول: “يا أخي فهمنا” والاقتصاد في أحاديثه وتركيزها في جمل قصيرة دالة كان من خصائص كتاباته فهو يتناول القضايا التي يطرحها بدقة ووضوح واختصار. ومن هنا فلم نخسر برحيله كاتبا ومناضلا جسورا فحسب وإنما خسرنا كاتبا كان يعرف كيف يكتب وماذا يكتب ومتى يكتب. سلام الله ورحمته عليه في الخالدين.
طبعة جديدة من ديوان الشاعر الكبير إسماعيل إسحاق:
  ظهرت الطبعة الأولى من هذا الديوان قبل سبعة عشر عاما وبالتحديد في عام 1998م. والشاعر إسماعيل إسحاق واحد من أبرز الشعراء اليمنيين ومن أكثرهم وطنية وتجاوبا مع قضايا الوطن وقد تولى نجله الأستاذ عباس إعداد الطبعة الجديدة من الديوان وأضاف إليها بعض القصائد التي لم تنشر من قبل. يقع الديوان في 190 صفحة من القطع المتوسط.
 
تأملات شعرية:
مزيدا من الحزن
لا عاصم اليوم منه
مزيدا من الصمت
وانهمري يا دموع المحبة
ولتطفئ الأغنيات قناديلها
وليسود الظلامú.
فثم الذي ألهم الكلمات الشجاعة
يغفو على شاطئ الموت
يندبه الحب
يبكي عليه غمام الكلامú.

قد يعجبك ايضا