حكايات تحكيها الراوية

رياض حمادي

 - في روايتها "الأنس والوحشة" - الصادرة عن الميثاق للطباعة والنشر, صنعاء 2006- تتقمص هند هيثم روح عرافة فتستحضر أرواح موتى من عصور عربية مختلفة, تبعثهم في باريس وتحاكم
في روايتها “الأنس والوحشة” – الصادرة عن الميثاق للطباعة والنشر, صنعاء 2006- تتقمص هند هيثم روح عرافة فتستحضر أرواح موتى من عصور عربية مختلفة, تبعثهم في باريس وتحاكم بعضهم في محكمة العدل في لاهاي وتقيم لهم محكمة أدبية تاريخية وخصوصا لملوك وأمراء الدولة الحمدانية: سيف الدولة وأبي فراس وخولة ودعد وشاعرهم المتنبي.
في هذه الرواية ستجد الكثير من الشخصيات التاريخية التي ارتبطت أسماءها بالسياسة مثل الحجاج ابن مسعود الثقفي, زياد بن أبيه, الشمر بن ذي الجوشن, مسلم بن عقبة, عبدالله بن زياد, قطري بن الفجاءة, جهيمان العتيبي, أحمد شاه مسعود, وغيرهم. وستجد الكثير من أخبار الماضي الحاضر فـ”خالد بن عبدالله القسري يموت تحت التعذيب.. أسامة بن لادن يحكي قصة بوش وحكاية الطفلة عن عنزتها .. أيمن الظواهري يطالب الشعب الباكستاني المسلم بخلع مشرف الخائن .. الشيوخ يطالبون سعد الفقيه بالتوبة والأوبة .. التائبون يعترفون على الشاشة ويطالبون بأجر الاجتهاد .. أبو مصعب الزرقاوي اختفى .. صدام حسين في المحكمة.. عبد القدير خان لا يزال قيد الإقامة الجبرية .. أبو حيان التوحيدي ينتحر بعد أن أحرق كتبه ..” (الرواية ص 32). وهي بهذا المزيج بين الماضي والحاضر السياسي, واستدعاءها للماضي تقول لنا بلغة أدبية أن لا شيء جديد.
بعض الأسماء التاريخية تغيرت وظائفها مثل سيبويه الذي يعمل أستاذا في الفيزياء, وفي هذا التحوير دلالة لا تخفى وهي القول بأن سيبويه لو كان عالما للفيزياء بدل كونه عالما في النحو لكان حال العرب أفضل. وهكذا الحال بالنسبة لأحمد شاه مسعود, الذي يعمل في الكيمياء, وعبدالرحمن الداخل الذي يشتغل ممثلا سينمائيا, وأبناءه في التجارة, وغيرهم من الساسة العرب والمسلمين الذين ظهروا في الرواية خلافا لظهورهم في التاريخ.
السؤال المركزي يدور حول خولة الحمدانية وأختها دعد التي تبحث عنها في باريس وتسأل عنها أحمد شاه مسعود, أستاذ الكيمياء, كي يحدثها عن فرارها من حلب وعن مكان تواجدها. وكما جاء في الرواية, هي حكايات تحكيها الراوية من وجهة نظرها, وتعكس فيها نفسها وتبقي على صوتها فيها قويا. هي “فتات حكايات كثيرة مرتبة على نسق فوضوي”, عن سير مشوشة وأخبار متناقضة. وكل شخصية هنا لها حيوات متعددة وأرواح كثيرة, تظهر وتختفي, تموت وتبعث, لتقول لنا أن الحجاج على سبيل المثال ليس شخصية تاريخية مرتبطة بزمنها ومكانها فقط وإنما هي رمز للقمع والطغيان الذي لم ينقطع وجوده عبر التاريخ العربي والإسلامي, وهو في هذه الصفة يشبه “خريف البطريرك” وحياته الطويلة في رائعة ماركيز.
لنتأمل في هذه المقاطع التي تربط بين اسم الحجاج وصفة أي ديكتاتور آخر مثل صدام حسين على سبيل المثال:
“اعتقلت قوات حفظ السلام الدولية الحجاج في منطقة لم تسمح الولايات المتحدة بكشفها.. في خضم الفوضى التي سادت بعد اعتقاله فوجئ الدوليون بخبر محاكمة الحجاج كمجرم حرب .. سلم الحجاج إلى محكمة العدل الدولية وبدأت استعدادات المحاكمة.. انطلق فريق الادعاء بقيادة كارلا ديل بونتي لجمع ادلة الإدانة .. تعاون سليمان بن عبدالملك مع الادعاء بشل لا محدود .. فتح لهم أرشيف مخابراته, وسمح لهم بالتقصي عن أخبار المجازر كما يشاؤون .. بفضل تحريات الفريق اكتشفت عدة مقابر جماعية في العراق والحجاز والبحرين .. في الأهواز كادت الفظائع التي اكتشفت وقوعها هناك إبان الحرب على الخوارج إلى جر الجنرال أبي صفرة للمحاكمة أيضا بتهمة ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين لولا وفاته في خراسان التي استقلت بمجرد سقوط الحجاج وغرقت في دوامة حروب غير منتهية …” (الرواية ص 84).
لكن الحجاج يظهر في جنازة زياد بن أبيه, “كان ظهور الحجاج في جنازة معلمه زياد بن أبيه أول ظهور علني له منذ محاكمته التي اختفى بعدها كما لو ذاب في العدم..” (الرواية ص 151).
ثم “مات الحجاج بن يوسف في ماريبا .. قتل .. وفق أكثر الروايات ذيوعا .. اقتحم المحققون القادمون من مدريد قصره .. حققوا مع خدمه .. فحصوا جثته .. صوروها .. قلبوها .. أرسلوها إلى المشرحة .. خرجوا بتقرير يقول أنه شنق حتى الموت .. لم يجدوا دليلا على ما جاء في تقريرهم .. لم يطلب أحد منهم أن يبحثوا أكثر .. أغلقوا ملفات القضية .. وضعوا الجثة في كيس حفظ الجثث البلاستيكي .. شحنوها بالطائرة إلى دمشق حيث أمر سليمان بن عبد الملك بدفنها دون ادنى ضجة .. لم تسنح الفرصة للحجاج ليضحك هازئا حين أعلن الأمريكيون أن العراقيين ليسوا مستعدين بعد للديموقراطية .. فقط بعد شهر من موته .. غير أنها مجرد رواية ذائعة..” (الرواية ص 220).
ومقطع لا

قد يعجبك ايضا